وقوله : لما للذي ، متعلق بشاني في آخر البيت وأصل التركيب. حتى لا أزال شانيا لما لا.. «لا» نافية. وأنت مبتدأ ، شائية بمعنى مريدة ، من الفعل (شاء). من شأننا : مجرور متعلق بـ شائية منفصلا عنها بفاصل ، يجب تكرارها. ويرى المبرد ، وابن كيسان ، أنه لا يشترط التكرار مطلقا ، عند إلغائها. قال العيني : بعد الكلام على رأي المبرد وابن كيسان ، وأنهما لا يشترطان التكرار. قال : (واحتجّا به) أي احتجا بهذا البيت. وهل تصدق أن المبرّد يحتج بهذا البيت ، بل لا يقول هذا البيت ناظم في عصر المبرّد. قلت : إنّ العيني يقع في أوهام كثيرة ، فلا تأخذنّ كل ما يقول وتثبّت من آرائه ، فالمنقول ، أن المبرد وابن كيسان احتجا بالبيت التالي :
بكت أسفا واسترجعت ثم آذنت |
ركائبها أن لا إلينا رجوعها |
وقد أثبتنا هذا الشاهد في حرف العين ، وفيه الفصل بين «لا» واسمها بقوله «إلينا» والبيت من شواهد سيبويه. [الأشموني ج ٢ / ٤ والهمع ج ١ / ١٤٨ ، والعيني ج ٢ / ٣٢٥ ، والدرر ج ١ / ١٢٩].
(٢٥٩) كأنّك من جمال بني أقيش |
يقعقع خلف رجليه بشنّ |
البيت من قصيدة للنابغة الذيباني. من قصيدة يلوم فيها عيينة بن حصن الفزاري لأنه أراد أن يعين بني عبس في قصة ، مع أنه كان محالفا لبني ذبيان وبني أسد وهم الطرف الثاني في الموضوع. وبنو أقيش : حيّ من عكل ، وجمالهم ضعاف تنفر من كل شيء تراه. ويقعقع : مبني للمجهول ، والقعقعة : تحريك الشيء اليابس الصلب. والشّن : بالفتح : القربة البالية ، وتقعقعها : يكون بوضع الحصا فيها وتحريكها فيسمع منها صوت ، وهذا مما يزيد الإبل نفورا ، ومنه المثل : «فلان لا يقعقع له بالشنّان» جمع شنّ. يضرب لمن لا يهتز به من حوادث الدهر. ولا يروعه ما لا حقيقة له ، وقال الحجاج على منبر الكوفة «إني والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنّان».
والبيت شاهد على أن حذف الموصوف هنا بدون أن يكون بعضا من مجرور بمن أو «في» لضرورة الشعر. والتقدير : كأنك جمل من جمال بني أقيش. وهذا مثل لقيام. الظرف مقام الموصوف. وقال بعضهم : إن هذا البيت شاهد على أن الموصوف بالجملة أو الظرف إذا كان بعضا من مجرور بمن أو «في» يجوز حذفه كثيرا وليس ضرورة شعرية. وبيانه أنّ الموصوف يقدر هنا قبل «يقعقع» والجملة صفة له ، أي : كأنك جمل يقعقع ،