ووجه الحصر أنّ الكلام إمّا خبر أو إنشاء ، لأنّه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه ، أو لا يكون لها خارج ، الأول الخبر ، والثانى الإنشاء. ثم الخبر لا بد له من إسناد ومسند إليه ومسند ، وأحوال هذه الثلاثة هى الأبواب الثلاثة الأولى. ثم المسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلا أو متصلا به أو فى معناه كاسم الفاعل ونحوه ، وهذا هو الباب الرابع ، ثم الإسناد والتعلق كل واحد منهما يكون إمّا بقصر أو بغير قصر ، وهذا هو الباب الخامس. والإنشاء هو الباب السادس. ثم الجملة إذا قرنت بأخرى فتكون الثانية إمّا معطوفة على الأولى أو غير معطوفة ، وهذا هو الباب السابع ولفظ الكلام البليغ إما زائد على أصل المراد لفائدة أو غير زائد عليه ، وهذا هو الباب الثامن.
وهذا المنهج يختلف قليلا عن منهج السكاكى ، وهو أقرب إلى الكمال لأنّ القزوينى ضم الموضوعات المتشابهة فى فصول مستقلة ، وكان فى بحثه ألصق بالبلاغة وروحها من صاحب «مفتاح العلوم» الذى مزقها كل ممزق.
وسيطر هذا المنهج على البلاغيين وظلت كتبهم تقسم علم المعانى هذا التقسيم ، ولم يخرج عنه معظم المتأخرين والمحدثين.
وإذا كان علم المعانى قريبا من النحو أو هو توخى معانى النحو فانّه يختلف عنه فى معالجة الموضوعات ، وقد فصل القول فى ذلك عبد القاهر وانتهى إلى أنّنا لا نريد المعانى الأول وإنّما المعانى الثوانى وهى عنده معنى المعنى. ولخص المتأخرون فائدة علم المعانى فقال بهاء الدين السبكى : «ولعلك تقول : أى فائدة لعلم المعانى فانّ المفردات والمركبات علت بالعلوم الثلاثة ـ اللغة والنحو والصرف ـ وعلم المعانى غالبه من علم النحو؟ كلا إنّ غاية النحوى أن ينزل المفردات على ما وضعت له ويركبها عليها ووراء ذلك مقاصد لا تتعلّق بالوضع مما يتفاوت به أغراض المتكلم على أوجه لا تتناهى وتلك الأسرار لا تعلم إلّا بعلم المعانى ، والنحوى ـ وإن ذكرها ـ فهو على وجه إجمالى يتصرف فيه البيانى تصرفا خاصا لا يصل إليه النحوى. وهذا كما أنّ معظم أصول الفقه من علم اللغة والنحو والحديث وإن كان مستقلا بنفسه.