مشترك بين الحال والاستقبال ، قاله المصنّف في الحاشية. قلت : وهذا مخالف لما عليه جميع النّحويّين من أنّ الأمر مقترن بالاستقبال فقط وإلا لزم تحصيل الحاصل.
قال شيخ شيوخنا العّلامة محمد الحرفوشيّ (١) في شرحه على تهذيب المصنّف : والحقّ أن يقال : إن فسّر الأمر بطلب الفعل على جهة الاستعلاء كما هو عند أرباب الاصول ، فهو للحال كما ذكر ، وإن فسّر بأنّه حدث واقع في زمن الاستقبال ، فهو للمستقبل ، انتهى.
ولشيخنا الإمام العلّامة محمد بن عليّ الشامي (٢) ـ أطال الله بقاه ـ كلام في تحقيق المقام ، به يتبيّن مغزى كلام المصنّف بما لا مزيد عليه ، وهو غاية ما يقال فيه ، ونصّه : الحقّ عند النحاة أنّ الأمر بالصيغة قسم من الفعل برأسه ، لا مندرج تحت قسم المضارع ، وأنّه موضوع في أصل اللغة بالوضع النوعيّ على وجه القانون الكليّ لطلب إدخال حقيقة الفعل ، أو فرد منها ، منتشر في جنسه في الوجود على النّحو الّذي لذلك الفعل من الوجود من فاعل معيّن بالخطاب ، وأنّ معنى الطلب مستفاد من نفس الصيغة بسبب وضعها له ، لا من لام الأمر (٣) المقدّرة ، والطلب لكونه نسبة يقتضي بطبعه التعلّق بمطلوب ، فيجعل معنى هذه الصيغة إلى حدثين : أحدهما مسند في المعنى إلى المتكلّم ، وهو الطلب في الحال ، والآخر مسند في اللفظ إلى المخاطب ، وهو ما تعلّق الطلب بإيقاعه في المستقبل ، والأوّل مدلول لهيئة الكلمة ، والثاني مدلول لمادّتها ، والمقصود باللفظ أنّما هو إفهام الحدث الأوّل ، والثاني أنّما وقع قيدا له ، وإن كان الغرض من إفهام الأوّل هو التوصّل به إلى وقوع الثاني.
فمن نظر إلى جانب اللفظ حكم بأنّ الأمر للاستقبال ، ومن نظر إلى جهة المعنى حكم بأنّه للحال ، لكنّ الأوّل أنسب بمصطلحات الفنون الباحثة عن الأحوال اللفظيّة ، والثاني أليق بتعارف العلوم المتكفّلة بالمباحث المعنويّة.
فالجري على خلاف ذلك خلط بين الاصطلاحين ، فإن احتجّ على كونه للاستقبال على كلّ حال بأنّه أنّما يدلّ عليه بالتضمّن ، لأنّ دلالته عليه من جهة كونه فعلا وعلى الحال بالالتزام ، لأنّ دلالته عليه إنّما هي لضرورة وقوعه إنشاء ، لكنّ كلامنا إنّها هو في الزمان الّذي يقترن به الحدث في الفهم عن لفظ الفعل عارضناه بالمثل بأن نقول هو إنّما
__________________
(١) محمد بن علي الحرفوشي العامليّ كان فاضلا أديبا شاعرا ، له كتب كثيرة الفوائد منها : «نهج النجاة في ما اختلف به النحاة» «اللآلى السنية في شرح الآجرومية» ، وتوفّي سنة ١٠٨٠. روضات الجنّات ٧ / ٨٥.
(٢) محمد بن علي الشامي الغرناطيّ المتوفّا سنة ٨١٥ ه ، له «شرح الجمل في النحو» لابن إسحاق الزجاجيّ النحويّ المتوفي سنة ٣٣٩. كشف الظنون ١ / ٦٠٤.
(٣) بسبب وضعها له أو من لام الأمر «ح».