ورعيا لخالد. قرأ ابن مسعود : حاش الله بالاضافة ، فهذا مثل : (سُبْحانَ اللهِ) [يوسف / ١٠٨] و: (مَعاذَ اللهِ) [يوسف / ٢٣]. قال ابن هشام : وليستا جارّا ومجرورا ، كما توهّم ابن عطية ، لأنّها إنّما تجرّ في الاستثناء ، ولتنوينها في القراءة الأخرى ، ولدخولها على اللام في قراءة السبعة ، والجارّ لا يدخل على الجارّ ، انتهى.
وإنّما ترك التنوين في قراءة الجماعة لبنائها من حيث اشبهت حاشا الحرفية لفظا ومعنى ، لأنّ معنى الحرفيّة الاستثناء ومعنى التتريهية الإبعاد عن السوء ، وهما متقاربان ، وإنّما نوّنت في تلك القراءة لإلغاء الشبه المذكور ، فهي معربة كما أنّ بني تميم أعربوا حذام كذلك ، وزعم النبيليّ (١) ، أنّ حرفيّة حاشا لا تتوقّف على الاستثناء ، وردّ على ابن الحاجب تقييد حرفيّتها في باب حرف الجرّ بقوله : وخلا وعدا وحاشا للاستثناء ، وزعم أنّه يقال : حاشا زيد أن يقوم على الابتداء والخبر والتقديم والتأخير كما تقول : على زيد أن تقوم ، وهو خلاف المشهور.
والثانى : قول المبرّد وابن جنىّ والكوفيّين ، لكنّهم قالوا : المعنى في الآية جانب يوسف (ع) المعصية لأجل الله تعالى ، ولم يقولوا : إنّها بمعنى برئت كما قال المصنّف والمعنيان مختلفان ، فتدبّر.
واستدلّوا على فعليّتها بإدخالهم إيّاها على الحرف وتصرّفهم فيها بالحذف ، قال ابن هشام وغيره : هذان الدليلان ينافيان الحرفيّة ، ولا يثبتان الفعليّة أى لأنّ الاسم يشارك الفعل في كلّ منهما.
قال الرضىّ : استدلّ المبرّد على فعليّته بتصريفه ، نحو : حاشيت زيدا أحاشيه ، وما أحاشي من الأقوام من أحد ، وليس بقاطع ، لأنّه يجوز أن يكون مشتقّا من لفظ حاشا حرفا أو اسما كقولهم : لو ليت ، أى قلت : لولا ، ولا ليت ، أى قلت : لا لا ، وسبّحت ، أى قلت : سبحان الله ، ولبيّت ، أى قلت : لبيك ، وهذا هو الظاهر ، لأنّ المشتقّ الّذى هذا حاله بمعنى قول تلك اللفظة الّتى اشتقّ منها ، فالتسبيح قول سبحان الله ، والتسليم قول سلام عليك ، والبسملة قول بسم الله ، وكذا غيره ، ومعنى حاشيت زيدا ، قلت : حاشا زيد ، واستدلاله على فعليّته بالتصريف فيه ، والحذف نحو : حاش لله ليس بقويّ ، لأنّ الحرف الكثير الاستعمال قد يخذف منه ، نحو : سو أفعل في سوف أفعل ، انتهى.
الثالث : قول لبعض النحويّين ، قال ابن هشام : وزعم بعضهم أنّها اسم فعل معناه أتبرّأ ، أو برئت ، وحامله على ذلك بناؤها ، ويرده إعرابها في بعض اللغات ، انتهى.
__________________
(١) لم أجد ترجمة حياته.