والكسائي والفرّاء وعلى بن المبارك الأحمر (١) وهشام الضرير (٢) من الكوفيّين لم يفعلوا ذلك.
وتبعهم على ذلك المتأخّرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة البغداد والأندلس ، وجرى الكلام في ذلك مع بعض الأذكياء فقال : إنّما تنكّبت العلماء ذلك لعدم وثوقهم بأنّ ذلك لفظ النبي (ص) لأمرين :
أحدهما : إنّ الراوة جوّزوا النقل بالمعنى ، فلهذا نجد القصّة ، قال فيها لفظا واحدا ، فنقل بألفاظ بحيث نجزم بأنّه (ص) لم يقل جميعها ، نحو ما روى من قوله (ص) : زوّجتكها بما معك من القرآن (٣) ، أمسكها بما معك ، خذها بما معك ، وغير ذلك ممّا ورد من ذلك ، فيعلم قطعا أنّه لم يلفظ بالجميع بل لا يجزم بالبعض ، بل يجوز أنّه قال : لفظا غيرها مرادفا لها ، لا سيّما مع تقادم الزمان والاتّكال على الحفظ ، فالضابط منهم من ضبط المعنى ، وأمّا من ضبط اللفظ فبعيد ، لا سيّما في الأحاديث الطوال (٤) الّتي لم يسمعها الرواة إلا مرّة.
الثاني : أنّه وقع اللحن كثيرا في الحديث ، لأنّ كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ، ولا يعلمون لسانهم بصناعة النحو ، ورسول الله (ص) كان أفصح الناس ، وإذا تكلّم بلغة غير لغة أهله ، فإنّما ذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز وتعلى م الله تعالى. ثمّ قال : والمصنّف أكثر من الاستدلال بما في الأثر متعقّبا بزعمه على النّحاة ، وما أمعن النظر في ذلك ، ولاصحب من له التمييز في هذا الفن ، ولذلك يضعف استنباطه من كلام سيبويه ، انتهى.
وأجاب بعضهم بالمعارضة بأنّ تطرّق الاحتمال الّذي يوجب سقوط الاستدلال بالحديث ثابت في أشعار العرب وكلامهم ، فيجب أن لا يستدلّ بها أيضا ، وهو خلاف الإجماع ، قال : والاستدلال بالحديث أنّما يسقط إذا أثبت المنكر أنّ الحديث المستدلّ به ليس من لفظه (ع) ، وإن لفظه كان كذا ، وأنّ الراويّ غيره ، انتهى.
__________________
(١) علي بن المبارك المعروف بالأحمر شيخ العربية وصاحب الكسائي أحد من اشتهر بالتقدّم في النحو وحافظ أربعين ألف شاهد في النحو. مات سنه ١٩٤ ه ق ، بغية الوعاة ٢ / ١٥٩.
(٢) هشام بن معاوية الضرير أبو عبد الله النحويّ الكوفيّ ، صنف : مختصر النحو ، الحدود ، القياس ، توفي سنة ٢٠٩ ه ق. المصدر السابق ص ٣٢٨.
(٣) الترمذي ، ٥ / ٥٩٩ ، رقم ٣٧٣١.
(٤) سقط الطوال في «س».