وفي النهاية (١) قالوا : مذ ومنذ حرفان ، وفي هذا نظر ، إذا قالوا : أصل مذ ومنذ ، ويلزم على قولهم : ان المخفّفة من إنّ وأنّ حرفان ، وإنّ ربّ باعتبار لغاتها عشرة أحرف ، حكاه المراديّ في الجنى الداني ، ثمّ قال قلت : الّذي يظهر أنّ مرادهم أنّ مذ كان أصلها منذ ، كاختها ، فحذفت نونها ، وتركت أختها على أصلها ، ألا ترى أنّهم قالوا : الأغلب على مذ الاسميّة ، والأغلب على منذ الحرفيّة ، فلو كانت مذ فرع منذ هذه لساوتها في الحكم ، انتهى.
«وتختصّان بالزمان» غير المستقبل من الماضي ، والحال ، وكان عليه التقييد بذلك ، لئلّا يتوهّم أنّهما لمطلق الزمان ، وليس كذلك ، فإنّهما لا تستعملان في الزمان المستقبل اتّفاقا ، كما قال الرضيّ ، ومعناها ابتداء الغاية إن كان الزمان ماضيا كقوله [من الكامل] :
٣٥٦ ـ ... |
|
أقوين مذ حجج ومذ دهر (٢) |
وقوله [من الطويل] :
٣٥٧ ـ ... |
|
وربع عفت آثاره منذ أزمان (٣) |
أي من حجج ومن أزمان ، والظرفيّة ، إن كان حاضرا ، نحو : ما رأيته مذ أو منذ يومنا ، أي في يومنا ومعنى من وإلى إن كان معدودا ، نحو : ما رأيته مذ ثلاثة أيام ، أي من ابتدائها إلى انتهائها.
وربّ ، والقول بحرفيّتها كما مشى في إطلاقه السابق هو مذهب البصريّين ، ومذهب الكوفيّين والأخفش في أحد قوليه ، وابن الطراوة ذهب إلى أنّها اسم ، وهو مرتضي الرضيّ. وفيها ثمانية عشر لغة : ضمّ الراء وفتحها مع تشديد الباء وتخفيفها ، والأوجه الأربعة مع التاء مفتوحة وساكنة ، أو مع ما أو معها ، فهذه ستّ عشرة وضمّها مع اسكان الباء وضمّها (٤).
وفي معناها ثمانية أقوال : أحدها : أنّها للتقليل دائما ، وعليه الأكثرون. الثاني : أنّها للتكثير دائما ، الثالث : أنّها لهما على السواء. الرابع : أنّها لم توضع لواحد منهما ، بل هي حرف إثبات لا يدلّ على تكثير ولا تقليل ، وإنّما يفهم ذلك من خارج. الخامس : للتكثير في مواضع المباهات ولافتخار ، وللتقليل فيما عداه. السادس : لمبهم العدد يكون
__________________
(١) النهاية في النحو لابن الخباز أحمد بن الحسن المتوفى سنة ٦٣٧. كشف الظنون ٢ / ١٩٨٩.
(٢) صدره «لمن الدّيار بقنّة الحجر» ، وهو لزهير بن أبي سلمى. اللغة : القنة : أعلى الجبل ، القمة ، الحجر : اسم موضع ، أقوين : خلون ، حجج : سنوات.
(٣) صدره «قفا نبك من ذكري حبيب وعرفان» ، وهو لامرئ القيس وتقدّم برقم ١٦.
(٤) سقطت هذه الجملة في «س».