سَعْيَها) [الإسراء / ١٩] ، فيجب حذف العامل في جميع هذه قياسا ، إذ قد عرفت له ضابطا كما ذكرنا.
قال : وإنّما وجب حذفه مع الضابط ، لأنّ حقّ الفاعل والمفعول أن يتّصلا بالفعل ، واستحسن حذف الفعل في بعض المواضع إمّا إبانة لقصد الدّوام واللزوم بحذف ما هو موضوع للحدوث والتجدّد أي الفعل كما في نحو : حمدا لك وشكرا لك وعجبا منك ومعاذ الله وسبحان الله ، وإمّا لتقدّم ما يدلّ عليه ، نحو : كتاب الله و (صِبْغَةَ اللهِ) [البقرة / ١٣٨] ، أو لكون الكلام ممّا يستحسن الفراغ منه بسرعة ، كلبيك ، فبقي المصدر مبهما ، لا يدرى ما تعلّق به من فاعل أو مفعول ، فذكر ما هو مقصود المتكلّم من أحدهما بعد المصدر ، ليختصّ به ، فلمّا تبيّن بعد المصدر بالإضافة أو بحرف الجرّ ، قبح إظهار الفعل ، بل لم يجز فلا يقال : كتبت كتاب الله ، ووعد وعد الله ، وأسبّح سبحان الله ، وأحمد حمدا لك ، انتهى ملخّصا.
وصرّح بعضهم بأنّه إذا قلنا : سقاك الله سقيا ، وحمدت الله حمدا ، مع التلفّظ يكون خبرا لا إنشاء ، وإذا كان أنشاء كان المصدر والفعل متعاقبين يريد أنّهما لا يجتمعان ، ولكن إن أتيت بالمصدر ، تركت الفعل وجوبا ، وإن أتيت بالفعل لم يجز أن تذكر المصدر ، انتهى. وليس بشيء إذ ما وقع في الخطبة المذكورة من كلام أمير المؤمنين (ع) ليس مرادا به الخبر ، وهو من الفصاحة بحيث لا يخفى.
تنبيه : من جملة المصادر المذكورة مصادر لم توضع أفعالها أصلا ، فيقدّر لها عامل من معناها على حدّ قعدت جلوسا ، وهي ثلاثة أنواع :
أحدها : ما يستعمل مفردا فقط ، نحو : أفّة وتفّة لك ، أي قذرا ، والأفّ وسخ الأذن ، والتفّ وسخ الأظفار ، وذفرا أي نتنا ، وبهرا له أي تعسا ، أمّا بهرا بمعنى غلبة فله فعل مستعمل ، حكى ابن الأعرابي في الدعاء على القوم بهرهم الله غلبهم.
الثاني : ما يستعمل مضافا فقط ، نحو : بله زيد بالأضافة إلى المفعول ، أي تركه ، ويستعمل اسم فعل ، فتقول : بله زيدا بالنصب ، أي دع زيدا ، واسما مرادفا لكيف ، فتقول : بله زيد بالرفع ، أي كيف زيد.
الثالث : ما يستعمل مفردا تارة ومضافا [تارة] أخري ، نحو : ويحا لزيد وويحه وويلا له وويله أي حزنا له وحزنه ، وكيفيّة التقدير ظاهر من التفسير ، وقيل يقدّر لويح رحم ، لأنّها كلمة ترحّم ، ولويل عذّب ، لأنّها كلمة عذاب.