بأنّه وإن كان ضميرا منفصلا للمتكلّم المعظّم نفسه أو المشارك غيره ، فهو عامّ لصلاحيته لكلّ متكلّم ، لا يختصّ بمتكلّم دون آخر ، انتهى.
ووجّهه آخر بشموله للمتكلّم وجميع من سواه في ذلك الزمان ، والزمان خاصّ ، لأنّه عينه ، انتهى ، وهو أولى من التوجيه الأوّل.
الثاني : قال الأخفش : قولهم : هذا حلو حامض ، إنّما أرادوا : هذا حلو فيه حمضة ، فينبغي أن يكون الثاني صفة للأول ، وليس قولهم : إنّهما جميعا خبر واحد ، بشيء. والجمهور على أنّهما خبران في معنى خبر واحد ، ونقل عن أبي على الفارسيّ أنّ نحو حلو حامض فيه ضمير واحد ، تحمّله الثاني ، لأنّ الأوّل تترّل من الثاني مترلة الجزء ، وصار الخبر إنّما هو بتمامها.
وقال بعضهم : الضمير يعود من معنى الكلام ، كأنّك قلت : هذا مزّ ، لأنّه لا يجوز خلوّ الجزئين من الضمير ، ولا انفراد أحدهما به ، لأنّه ليس أولى من الآخر ، ولا يكون فيهما واحد ، لأنّ عاملين لا يعملان في معمول واحد ، ولا أن يكون فيهما ضميران ، لأنّه يصير التقدير : كلّه حلو كلّه حامض ، وليس هذا الغرض منه.
وقيل : كلّ منهما يتحمّل ضميرا ، واختاره أبو حيّان وشيخي العلامة محمد بن على الشاميّ ، قال ولهذا ارتفعا على الخبريّة ، ولا يلزم من فرض صدقه الجمع بين الضدّين على الوجه المحال ، لأنّا لا نحكم على المبتدإ بكلّ منهما وهو على صرافته ، إذ لا يجوز الحكم إلا بعد تمام الكلام وبعد سماع الخبرين ، فالعقل يحكم حكما ضروريّا بامتناع اجتماع الضدّين بما هما ضدّان على الموضوع الواحد الشخصيّ ، فلا تعتبر نسبة واحد منهما إلى المبتدإ ، إلا حيث يعتبر تأثير كلّ منهما في الآخر ، وتأثّره عنه ، وانحطاطه عن صرفي النوعين ، ثمّ يحكم على المبتدأ بكيفيّة متوسطة بين الكيفيّتين.
فإذا قيل : الرمان حلو حامض ، فكأنّه قيل : الرمان فيه شوب من الحلاوة وشوب من الحموضة ، ولا تضادّ بينهما ، كما لا تضادّ بين البياض الضعيف والسواد الضعيف ، بل ربّما كان أحدهما عين الآخر لوجوب الحدود المشتركة بين الأنواع ، هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام ، انتهى كلام شيخنا.
وتظهر ثمرة الخلاف في تحمّلهما ، أو تحمّل أحدهما في نحو : هذا البستان حلو حامض رمانه ، فإن قلنا : لا يتحمّل الأوّل ضميرا ، تعيّن رفع الرمان بالثاني ، وإن قلنا : إنّه يتحمّل ، فيجوز أن يكون من باب التنازع في السيي المرفوع.