١٠٤ ـ خليليّ ما واف بعهدي أنتما |
|
إذا لم تكونا لي على من أقاطع (١) |
فإنّ القول بأنّ الضمير في الأية مبتدأ كما زعم الزمخشريّ مؤدّ إلى فصل العامل عن معموله بالأجنبيّ ، والقول بذلك في البيت مؤدّ إلى الاخبار عن الاثنين بالواحد.
وأجاب الإمام الحديثيّ (٢) عن الآية يمتنع تعلّق الجار براغب المذكور ليلزم المحذور ، بل يجعل متعلّقا بمقدّر بعد أنت مدلول عليه بالمتقدّم أراغب أنت ترغب عن آلهتي ، وعن البيت باحتمال أن يكون أنتما مبتدأ ، خبره الجملة الشرطيّة بعده مع الجواب المحذوف المدلول عليه بقوله : ما واف بعهدي ، والتقدير ما أنتما خليليّ إذا لم تكونا لي على من أقاطعه ، فما أحد واف بعهدي ، أي إنّ عدم قيامكما معي على من أقاطعه سبب لأن لا يكون أحد يفي بعهدي ، لأنّ من سواكما ليس عندي في مرتبتكما من خلوص المودّة وصدق الإخاء ، فإذا لم تساعداني ولم تكونا لي على من أقاطعه ، لم يف أحد بعهدي لاتّسائه بكما وادّعائه أنّه أحقّ بعدم الوفاء.
تنبيهات : الأوّل : قيل هذا الحدّ منقوض بالمجرور بلعلّ ولو لا وربّ في نحو : لعلّ زيد قائم ، ولولاك لكان كذا ، وربّ رجل صالح لقيته ، فإنّ المجرور في هذه المواضع مرفوع محلّا ، على أنّه مبتدأ كما قاله ابن هشام في المغني وغيره ، مع أنّه ليس مجرّدا عن العوامل اللفظيّة غير الزائدة ، وأجيب بأنّها في حكم الزائدة لشبهها بها في كونها لا تتعلّق بشيء.
الثاني : قيل هذا الحدّ منقوض أيضا بقولهم : لا نولك أن تفعل كذا (٣) ، فإنّ النول هنا مبتدأ ، وأن تفعل فاعل به مغن عن الخبر ، مع أنّه غير صفة ، انتهى. وقد يجاب بمنع أن تفعل فاعلا به ، وإنّما هو خبر للنّول كما قال أبو حيّان.
الثالث : وقوع الصّفة بعد نفي أو استفهام شرط لازم عند جمهور البصريّين ، وعن سيبويه جواز الابتداء بها من غير شرط مع قبح ، واختاره ابن مالك.
وذهب الأخفش والكوفيّون إلى جوازه دون قبح ، «فإن طابقت» الصفة الواقعة بعد نفي أو استفهام اسما مرفوعا بها مفردا واقعا بعدها ، ففيه «وجهان» : كون الصفة مبتدأ وما بعدها مرفوعا سدّ مسدّ الخبر ، وكونها خبرا وما بعدها مبتدأ ، وقدّم الخبر للاستفهام الّذي حقّه الصّدر وبخلاف ما إذا لم تطابق مفردا وعدم مطابقتها للمفرد ،
__________________
(١) لم يسمّ قائله. اللغة : أقاطع : فعل مضارع من المقاطعة ، وهي الهجر.
(٢) الإمام ركن الدين الحديثي الحسن محمد العلويّ ، من شراح الكافية ، المتوفى سنة ٧١٥ ه بالموصل.
المصدر السابق ٢ / ١٣٧٦.
(٣) لا نولك أن تفعل كذا : لا ينبغي لك.