فضرورة : قدر لأجلها الجزم في الجميع على حرف العلّة ، لأنّه آخر الكلمة ، وهو محلّ الإعراب ظاهرا ومقدّرا ، قاله ابن مالك ، وقيل : هذه الأحرف إشباع ، والحروف الأصليّة محذوفة للجازم.
تنبيهات : الأوّل : ما ذكره من أنّ علامة الجزم في الأفعال المذكورة حذف حرف العّلة ، إنّما يتمشّى على قول ابن السراج ومتابعيه ، من أنّ هذه الأفعال لا يقدّر فيه الإعراب بالضّمة في حالة الرفع والفتحة في حالة النصب ، وعلّل ذلك بأنّ الإعراب إنّما قدّرناه في الاسم ، لأنّه فيه أصل ، فتجب المحافظة عليه ، وأمّا الفعل فهو فيه فرع فلا حاجة لتقديره فيه ، وجعل الجازم كالدواء المسهّل ، إن وجد فضلة أزالها ، وإلا أخذ من قوي البدن.
وذهب سيبويه إلى تقدير الإعراب فيها ، فعليه لمّا دخل الجازم حذف الحركة المقدّرة ، واكتفى بها ، ثمّ لمّا صارت صورة المجزوم والمرفوع واحدة فرّقوا بينهما بحذف حرف العلّة ، فحرف العلّة محذوف عند الجازم لا به.
وعلى قول ابن السراج الجازم حذف حرف العلّة نفسه ، فظهر أنّ من يقول بعدم التقدير يقول : إنّ الجزم بحذف حرف العلّة ، ومن يقول بالتقدير يقول : إنّ الجزم ليس بحذف الآخر بل بحذف الحركة ، وحذف الآخر للفرق ، نبّه عليه ابن هشام وغيره ، فقول المصنّف هنا إنّ الحذف علامة الجزم ، أي الجزم به لا يناسب ما ذهب إليه فيما سيأتي عن قريب ، إن شاء الله تعالى ، من أنّ الفعل المضارع مقدّر فيه الإعراب ، فتدبّر.
الثاني : إذا كان حرف العلّة بدلا من همزة كيقرأ ، مضارع قرأ ، ويقرئ مضارع أقرأ ، ويوضؤ مضارع وضؤ بضمّ الضّاد المعجمة بمعنى حسن وجمل جاز فيه وجهان : حذف حرف العلّة مع الجازم وبقاؤه ، وهذان الوجهان مبنيّان على أنّ إبدال حرف العلّة هل هو بدل قياسيّ أو غير قياسيّ ، فإن قلنا : إنّه قياسيّ ثبت حرف العلّة مع الجازم ، لأنّه همزة كما كان قبل البدل ، وإن قلنا : إنّه بدل غير قياسيّ صار حرف العلّة متمحّضا ، وليس همزة فيحذف ، كما يحذف حرف العلّة المحض في يغزو ويخشى ويرمى ، قاله ابن النحاس. وقال ابن هشام في الأوضح : إن كان الإبدال بعد دخول الجازم فهو قياسيّ ، ويمتنع حينئذ الحذف لاستيفاء الجازم مقتضاه ، وإن كان قبله فهو إبدال شاذّ ، ويجوز مع الجازم الإثبات والحذف بناء على عدم الاعتداد بالعارض وهو الأكثر والاعتداد به ، انتهى.