وتقريره. فإن قلت : فهلا جاءت على وتيرة واحدة ، ولم اختلفت أعداد حروفها؟ قلت : هذا على عادة افتنانهم في أساليب الكلام وتصرفهم فيه على طرق شتى ومذاهب متنوعة ، وكما أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف لم تتجاوز ذلك ، سلك بهذه الفواتح ذلك المسلك (١).
ووقف بدر الدين الزركشي ( ت : ٧٩٤ هـ ) عند الصدى الصوتي للحروف المقطعة في فواتح هذه السور من عدة وجوه صوتية ، يمكن رصد أبعادها بالخطوط الآتية :
أولاً : عرض الزركشي لأعداد هذه الأصوات في فواتح السور ، ووقف عندما أبتدىء به بثلاثة حروف ، واعتبر لذلك سراً صوتياً بارزاً علّله بقوله عن « ألم » في تركيبها : « وذلك أن الألف إذا بدىء بها أولاً كانت همزة ، وهي أول المخارج من أقصى الصدر ، واللام من وسط مخارج الحروف ، وهي أشد الحروف اعتماداً على اللسان ، والميم آخر الحروف ، ومخرجها من الفم. وهذه الثلاثة هي أصل مخارج الحروف أعني الحلق واللسان والشفتين ، وترتبت في التنزيل من البداية إلى الوسط ، إلى النهاية. فهذه الحروف تعتمد المخارج الثلاثة ، التي يتفرع منها ستة عشر مخرجاً ، ليصير منها تسعة وعشرون حرفاً ، عليها مدار الحلق أجمعين ، مع تضمنها سراً عجيباً ، وهو أن الألف للبداية ، واللام للتوسط ، والميم للنهاية ، فاشتملت هذه الأحرف الثلاثة على البداية والنهاية والواسطة بينهما » (٢).
وهذه الإنارة في استعمال مصطلحات الصوت في المخارج إلى الحلق واللسان والشفتين يضطلع فيها الزركشي بحسّ صوتي رفيع قد سبق إليه الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ت : ١٧٥ هـ ) وسيبويه ( ت : ١٨٠ هـ ) وأبو الفتح عثمان بن جني ( ت : ٣٩٢ هـ ) يؤكده الخط الثاني في تذوقه الحروف ، وتأكيده على مسافتها ومكانها وزمانها.
ثانياً : والزركشي بطلق لفظ الحروف ويريد بذلك الأصوات كما هو
__________________
(١) الزمخشري ، الكشاف : ١|١٠٤ وما بعدها.
(٢) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن : ١|١٦٨.