ويختلف النحاة فيما بينهم فى كون الأول وهو المبدل منه مطروحا من الكلام أم لا. وإذا كان البدل فى نية تكرير العامل فإن طرح المبدل منه يكون رأيا راجحا ؛ لأن المتحدث لمّا أراد بالثانى إرادة الأول فى الحكم والمدلول والأحكام كان الثانى إما أنه لا جدوى من ذكره ، وإما أن جدوى ذكره الإرادة الكاملة للنسبة والحكم من الجملة المذكورة ، فإذا كان الأول فإن البدل يكون حشوا فى الكلام ، وإذا كان الثانى فإنه يكون من طبيعة بنى الإنسان ، وهو التوضيح والبيان ، أو السهو والنسيان ، أو الميل والانحراف للتدقيق فى الكلام.
لذلك فإن البدل توكيد للحكم وتقرير له ، والتوكيد والتقرير ـ مرتبطين بالحكم ـ يستلزمان تقدير تكرير العامل ، سواء كان المبدل منه فى حكم الطرح ، أم كان غير ذلك.
العامل فى البدل :
اختلاف النحاة فى العامل فى البدل يرجع إلى نظرتهم إلى كون العامل مكررا أم غير مكرر ، كما أنه يرتبط بفكرة طرح المبدل منه أو عدم طرحه ، فهى علاقة ثلاثية.
ـ فمن رأى منهم أن العامل مكرر على نية طرح المبدل منه كان عليه أن يقدر جملتين ، أولاهما : المبدل منه بعامله ، والأخرى : البدل مع تقدير عامل من لفظ عامل المبدل منه ، وربما كان هذا مقبولا فى بدل الغلط وبدل النسيان وبدل الإضراب.
ـ ومن رأى أن العامل فى البدل مكرر ، لكنه ليس على نية طرح المبدل منه مع عامله ، فإنه يقدر جملتين ، وكلّ منهما لها تقديرها فى المعنى ، فكل جملة قائمة بنفسها.
ـ وعلى الاتجاهين السابقين ـ وهو ما يذهب إليه جمهور النحاة ـ فالبدل على نية تكرير العامل ، ويقدر فى البدل منه جملتان ، يتكرر العامل فى كلّ منهما ، كما هو فى قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ