وعلامة (من) الابتدائية فى الدلالتين السابقتين صحة وضع (إلى) أو ما فى معناها فى مقابلها ، فإذا قلت : سرت من المنزل ، فإنه يمكن أن تقابل قولك من المنزل بالقول : إلى الكلية.
٢ ـ التبعيض :
وعلامتها فى ذلك جواز الاستغناء عنها «ببعض» ، نحو قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] ، أى : بعض ما تحبون ، ونحو : إذا كان فى ذلك من التبيان ما يبهرهم ، ومن القول ما يسكتهم ، فـ (من) فى هذا الموضع أدت معنى البعضية ، قال به سيبويه (١) ، وتابعه الفارسى والجمهور والفراء وكثير من النحاة ، وخالفهم الأخفش ، وتابعه المبرد ، حيث ترد (من) عندهما لابتداء الغاية ، ووافقهما ابن السراج والسهيلى والجرجانى والزمخشرى (٢).
ومن دلالة (من) على التبعيض أن تقول : قبضت من الجنيهات ، أى : بعضها ، وكذلك قوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) [البقرة : ٢٥٣] ، أى : بعضهم كلم ، وقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥] ، أى : فبعضهم .. وبعضهم .. وبعضهم .. وقوله تعالى : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) [آل عمران : ١١٠].
٤ ـ بيان الجنس :
نحو : امتنعت طائفة من الناس ، ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا ، ولم نر الحسد أمر به أحد من العرب والعجم فى حال من الأحوال ، والمجرورات (الناس ، جنس ، العرب) تعطى معنى الجنسية ، ومنه قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠].
فى قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) [النور : ٤٣] حيث (من) الأولى لابتداء الغاية فى المكان ، والثانية (من جبال) للتبعيض ، والثالثة (من برد) للتبيين ، وفيها أقوال غير ذلك.
__________________
(١) انظر : الكتاب ٤ ـ ٢٢٥.
(٢) انظر : الجنى الدانى ٣٠٩ / شرح التصريح ٢ ـ ٧ ، ٨.