حيث تحتمل الجملة عدة جهات معنوية تتحدد واحدة منها بوساطة التمييز ، بل إنها تحتاج إلى هذا التحديد أو العزل عن الجهات المعنوية الأخرى.
فإذا قلت : كثر محمد ، فإن الكثرة المسندة إلى محمد تحتاج إلى تحديد ؛ لأنّ معناها يصحّ لأشياء كثيرة فى الوجود ، والمحدد أو المفسر لهذا المعنى المبهم هو التمييز ، ويجب أن يكون التمييز ملائما لمعنى الكثرة مع محمد. فتقول : كثر محمد مالا ، أو : علما ، أو : عقارا ... إلخ.
فالإبهام فى الجملة يكون إبهاما فى العلاقة بين العامل وبين أحد معمولاته ، وتمييز العلاقة هذه يسمى تمييز النسبة ؛ لأن العلاقة بين دالّتين إنما هى نسبة بينهما.
ويكون التمييز الواقع بعد الجملة منصوبا عن تمام الكلام ، ورافعا للإبهام الحادث فى الكلام ، حيث يكون الإبهام فيه حاصلا فى الإسناد.
فإذا قلت : (حسن زيد وجها) ، فإنك تلمس أن (حسن) مسند فى اللفظ إلى (زيد) ، ولكنه فى المعنى مسند إلى مقدّر متعلق بزيد ، وذلك مبهم لاحتماله كلّ ما يتعلق بزيد ، فقد يكون حسنا فى شعره ، أو فى يده ، أو فى عمله ، أو فى وجهه ... الخ ، فتذكر (وجها) ليرفع هذا الإبهام.
لذلك فإنك تجد أن هذه العلاقة المبهمة بين العامل وأحد مكونات الجملة المميّزة ؛ إنما تبين وتتحدد من خلال التمييز ، الذى يمكن أن يأخذ الموقع الإعرابىّ لما ارتبط به العامل من مكونات الجملة ، والعلاقة المعنوية تكون قائمة بين العامل والتمييز.
ولذلك فإن هناك جهات تحول أو تنقّل لتمييز الجملة ؛ من أحد المواقع المعنوية والإعرابية فيها إلى موقعية التمييز ، وهذه نحددها فيما بعد.
تضمن التمييز معنى (من):
يتضمن التمييز معنى (من) ، حيث إن أصل القول : ما فى السماء قدر راحة سحابا ، هو راحة من السحاب ، وكذلك : عشرون درهما ، أصله عشرون من الدراهم ، ولله درّه رجلا ، أصله : من رجل ، واستعمال هذا الأصل بـ (من) جائز ، وتقدير (من) يعطى معنى النسبة ، أو التبعيض ، أى : إنّ العدد أو الكيل أو