قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تهذيب اللغة [ ج ٣ ]

152/293
*

حجَّة لمن يجعل المتساومين بَيِّعين ولمَّا ينعقد بينهما البيع. والمعنى الثاني الذي يردّ تأويله ما في سياق خبر ابن عمر ، وهو ما حدثنا به الحسين بن إدريس عن محمد بن رُمْح عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا ، إلا أن يخيِّر أحدهما صاحبه ، فإذا قال له : اختر فقد وجب البيع ، وإن لم يتفرقا» ألا تراه جعل البيع ينعقد بأحد شيئين أحدهما أن يتفرّقا عن مكانهما الذي تبايعا فيه ، والآخر أن يخيِّر أحدهما صاحبه ، ولا معنى للتخيير إلا بعد انعقاد البيع. وقد شرحت هذا في تفسير حروف «المختصر» بأوضح من هذا ، فإن أردت استقصاء ما فيه فخذه من ذلك الكتاب.

وقال الليث : البَوْع والباع لغتان ، ولكنهم يسمون البُوع في الخِلْقة ، فأمَّا بَسط الباع في الكرم ونحوه فلا يقولون إلَّا كريم الباع ، قال والبَوْع أيضاً : مصدر باع يبوع وهو بسط الباع في المشي ، والإبلُ تبوع في سيرها ، والرجل يبوع بماله إذا بسط به باعه وأنشد :

لقد خفت أن ألقى المنايا ولم أنل

من المال ما أسمو به وأبوع

والبِياعات : الأشياء التي يُتبايع بها في التجارة. وقال : البَيْعة الصفقة لإيجاب البيع على المتابعة والطاعة. يقال : تبايعوا على ذلك الأمر ؛ كقولك أَصْفَقوا عليه. قال : والبَيْع : اسم يقع على المبيع ، والجميع البيوع. قال والبِيعة : كنيسة النصارى. وجمعها بِيَع ، وهو قول الله تعالى : (وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ). [الحج : ٤٠] قلت : فإن قال قائل : فلم جعل الله هدمها من الفساد وجعلها كالمساجد ، وقد جاء الكتاب بنسخ شريعة النصارى واليهود؟ فالجواب في ذلك أن البِيَع والصوامع كانت متعبّدات لهم إذْ كانوا مستقيمين على ما أُمروا به غير مبدِّلين ولا مغيرين ، فأخبر الله جلّ ثناؤه أنه لولا دفعه الناس عن الفساد ببعض الناس لهدّمت متعبّدات كل فريق من أهل دينه وطاعته في كل زمان. فبدأ بذكر البِيَع على المساجد لأن صلوات من تقدم من أنبياء بني إسرائيل وأُممهم كانت فيها قبل نزول الفرقان ، وقبل تبديل من بدّل وَأَحدثت المساجد وسمّيت بهذا الاسم بعدهم ، فبدأ جل ثناؤه بذكر الأقدم ، وأخَّر ذكر الأحدث لهذا المعنى ، والله أعلم.

وقال بعض أهل العربية : يقال : إن رباع بني فلان قد بُعْن من البيع. وقد بِعن من البَوْع فضم الباء في البيع ، وكسروها في البوع للفرق بين الفاعل والمفعول ، ألا ترى أنك تقول : رأيت إماء بِعْن متاعا إذا كنّ بائعات ، ثم تقول : رأيت إماء بُعن إذا كنّ مبيعات ، فإنما يتبين الفاعل من الفاعل باختلاف الحركات وكذلك من البوع.

قلت : ومن العرب من يجري ذوات الياء على الكسر وذوات الواو على الضم. سمعت العرب تقول صِفنا بمكان كذا وكذا أي أقمنا به في الصيف وصِفْنا أيضاً إذا أصابنا مطر الصيف ، فلم يفرقوا بين فعل الفاعلين والمفعولين.