النهروان على معسكره ، فغرِق ذلك الكتاب في جملة ما غرق من سواد العسكر.
ورأيت أنا من
أوّل ذلك الكتاب تفاريق أجزاء بخط محمد بن قَسْورَة ، فتصفَّحتُ أبوابها فوجدتها
على غاية الكمال. والله يغفر لأبي عمرو ويتغمدُ زلته.
والضنُّ بالعلم
غير محمود ولا مبارَك فيه.
وكان أبو تراب
الذي ألف كتاب «الاعتقاب» قدم هَرَاة مستفيداً من شِمْر ، وكتب عنه شيئاً كثيراً.
وأملى بهراة من كتاب «الاعتقاب» أجزاء ثم عاد إلى نيسابور وأملى بها باقيَ الكتاب.
وقد قرأت كتابه فاستحسنته ، ولم أره مجازِفاً فيما أودَعه ، ولا مصحِّفاً في الذي
ألّفه.
وما وقع في
كتابي لأبي ترابٍ فهو من هذا الكتاب.
وتوفي شمر
رَحِمه الله ـ فيما أخبرني الإيادي ـ سنة خمس وخمسين ومائتين.
وكان أبو
الهيثم الرازي : قدِم هراة قبل وفاة شِمر بِسُنَيَّاتٍ فنظر في كتبه ومُصَنَّفاته
وعَلِقَ يَرُدُّ عليه ، فَنُمِي الخَبَرُ إلى شِمْر فقال : «تَسَلَّحَ الرازيّ
عليّ بكتبي!» وكان كما قال ؛ لأني نظرتُ إلى أجزاء كثيرة من أشعار العرب كتبها أبو
الهيثم بخطِّه ثم عارضها بنسخ شمر التي سمعها من الشاه صاحب المؤرّج ، ومن ابن الأعرابي
، فاعتبرَ سماعَه وأصلح ما وجد في كتابه مخالفاً لخطّ شِمر بما صحَّحه شِمر.
وكان أبو
الهيثم رَحِمه الله عِلمُه على لسانه ، وكان أعذبَ بياناً وأفطنَ للمعنى الخفيِّ ،
وأعلم بالنحو من شِمر وكان شمر أروى منه للكتب والشِّعر والأخبار ، وأحفظَ للغريب
، وأرفقَ بالتصنيف من أبي الهيثم.
وأخبرني أبو
الفضل المنذري أنه لازمَ أبا الهيثم سنين ، وعرض عليه الكتب ، وكتب عنه من أماليه
وفوائده أكثر من مائتي جِلد ، وذكر أنه كان بارعاً حافظاً صحيح الأدب ، عالماً
ورعاً كثير الصلاة ، صاحبَ سُنَّة. ولم يكن ضنيناً بعلمه وأدبه.
وتوفي سنة ست
وسبعين ومائتين ، رَحِمه الله.
وما وقع في
كتابي هذا لأبي الهيثم فهو مما أفادنيه عنه أبو الفضل المنذريّ في كتابه الذي
لقّبه «الفاخر والشامل». وفي الزيادات التي زادها في «معاني القرآن» للفرّاء ، وفي
كتاب «المؤلَّف» ، وكتاب «الأمثال» لأبي عبيد.
ومن هذه الطبقة
من العراقيين أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني : الملقّب بثعلب ، وأبو العباس
محمد بن يزيد الثُّمَالي الملقَّب بالمبرّد.