وتحصل بالامتناع عن الكبائر ، وعن الإصرار على الصغائر أو الإكثار منها. (١)
والمراد بالكبائر : كلّما توعّد الله تعالى عليه بالنار ، كالزنا ، والقتل ، واللواط ، وغصب الأموال المعصومة ، وشرب الخمر ، وعقوق الوالدين ، والرّبا ، وقذف المحصنات المؤمنات.
وأمّا الصّغائر فإن داوم عليها ، أو وقعت منه في أكثر الأحوال ، ردّت شهادته إجماعا ، ولو وقعت منه ندرة قال الشيخ رحمهالله (٢) : لا يقدح في العدالة ، لعدم الانفكاك منها إلّا فيما يقلّ ، فلو شرطنا عدمها أجمع ، أفضى إلى ألا تقبل شهادة أحد بالإطلاق ، وذلك ضرر عظيم. ومنع ابن إدريس ذلك ، والتجأ في التخلّص عن الإلزام إلى التوبة الّتي يمكن فعلها لكلّ أحد في كلّ وقت. (٣)
__________________
(١) قال ثاني الشهيدين في المسالك :
... انّما الكلام في أنّ هل هي كلّها كبائر ، أم تنقسم إلى كبائر وصغائر؟
وقد اختلف الأصحاب وغيرهم في ذلك ، فذهب جماعة منهم المفيد وابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس والطبرسي ـ بل نسبه في التفسير إلى أصحابنا مطلقا ـ إلى الأوّل ، نظرا إلى اشتراكها في مخالفة أمره تعالى ونهيه ، وجعلوا الوصف بالكبر والصغر إضافيّا ، فالقبلة المحرّمة صغيرة بالنسبة إلى الزنا وكبيرة بالنسبة إلى النظر ، وكذلك غصب الدرهم كبيرة بالنسبة إلى غصب اللقمة وصغيرة بالإضافة إلى غصب الدينار ، وهكذا.
وذهب المصنّف رضى الله عنه وأكثر المتأخرين إلى الثاني ، عملا بظاهر قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (النساء : ٣١) دلّ بمفهومه على أنّ اجتناب بعض الذنوب ـ وهي الكبائر ـ يكفّر السيّئات ، وهو يقتضي كونها غير كبائر ، وقال تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) (النجم : ٣٢) مدحهم على اجتناب الكبائر من غير أن يضايقهم في الصغائر ، وفي الحديث : «انّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر». مسالك الأفهام : ١٤ / ١٦٦ ـ ١٦٧.
(٢) المبسوط : ٨ / ٢١٧.
(٣) السرائر : ٢ / ١١٨.