وهذه الحالة لا يقوم بإصلاحها وال من الأخيار ، وإن كان يودّ إقامة العدل إذ ليس له من الموظفين إلا من لا خلاق لهم أو من هم جهّال لا قدرة لهم على أداء الواجب على الأغلب وهذا شأن والينا. كان يضمر الخير ، ولكنه مقصوص الجناح ، يرغب في الإصلاح ويهمّ به إلا أنه لا يستطيع القيام لضعف في الآلة ، وجموح في طمع موظفيه. فلا يكفي أن يكون سديد الرأي وهو أعزل عن الموظفين القديرين.
مضت الحالة على هذا النمط حتى أواخر أيام هذا الوالي في بغداد.
يوم إعلان المشروطية
في ١٠ تموز سة ١٣٢٤ رومية و ٢٤ جمادى الثانية سنة ١٣٢٦ ه (٢٣ تموز سنة ١٩٠٨ م) أعلن الدستور وتقررت الإدارة المشروطية (التشريعية) ، فكان هذا الحادث من أعظم الحوادث ، والناس في الغالب لا يعلمون عنه شيئا ، ولا يفهمون له مدلولا إلا أن هذه الحرية ساوت بينهم وبين غير المسلمين ، فرأوا في ذلك حيفا بل عدّوا من الإهانة ترديد ألفاظ الحرية والعدالة والمساواة والأخوة خصوصا أن خط گلخانه (التنظيمات الخيرية) يرمي إلى عين الغرض ، ولّد بوقته نفرة وسوء تأثير في النفوس ، وآخرون يعلمون حق العلم فائدة في هذه الحرية من جراء اتصالهم بالعالم الخارجي في مطالعة المجلات والجرائد أو اتصلوا برجال الدعوة ، فصار محيطهم أوسع ، وثقافتهم أكمل ، فلا رقيب عليهم ولا متجسس لأعمالهم.
وكان الإفهام صعبا ، والسواد الأعظم جاهل ، فكثر الخطباء ، وصدرت الجرائد ، وكتبت الأعمدة الطويلة في الجرائد تعيّن المراد في المقالات المسهبة في التوضيح والدعاية في صلاح الإدارة ، والتشويق لها ، ولكن الغالب لا يزال يعجب مما كان يسمع من شدة الضغط