ولم يزل القوم يقرّون لأمير المؤمنين عليهالسلام بالفضائل ، ويسلّمون له المناقب ، وقد كانوا أنصاره وبعض أعوانه ، وإنما دخلت الشبهة عليهم بعد الحكمين ، فزعموا أنّه خرج عن جميع ما كان يستحقّه من الفضائل بالتحكيم ، وقد قال شاعرهم :
كان علي قبل تحكيمه |
|
جلدة بين العين والحاجب |
ولو لم يكن الخبر كالشمس وضوحاً لم يحتج به أمير المؤمنين عليهالسلام يوم الشورى ، حيث قال للقوم في ذلك المقام : «أنشدكم الله هل فيكم أحد أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيده فقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، غيري ؟ ».
قالوا : اللهم لا ، فأقر القوم به ولم ينكروه ، واعترفوا بصحته ولم يجحدوه (١١).
فان قال قائل : فما باله لم يذكر في حال احتجاجه به تقرير رسول الله صلىاللهعليهوآله للناس على أنّه أولى بهم منهم بأنفسهم ؟ ولم اقتصر على ما ذكر ، وهو لا ينفع في الاستدلال عندكم ما لم يثبت التقرير المتقدّم ؟؟
وما جوابكم لم قال : إنّ المقدّمة لم تصحّ ، وليس لها أصل ، وقد سمعنا هذا الخبر ورد في بعض الروايات وهو عار منها ، فما قولكم فيها ؟؟
قيل له : إنّ خلوّ انشاد أمير المؤمنين عليهالسلام من ذكر المقدمة لا يدلّ على نفيها أو الشكّ في صحّتها ، لأنّه قرّرهم من بعض الخبر على ما يقتضي الإقرار ، بجميعه ، اختصاراً في كلامه ، وغنىً معرفتهم بالحال عن إيراده على كماله ، وهذه عادة الناس فيما يقرّرون به.
وقد قرّرهم عليهالسلام في ذلك المقام بخبر الطائر (١٢) فقال : « أفيكم رجل قال
__________________
يقتضي أن يكونوا جاحدين بفضائله ومناقبه ».
انظر : الشافي في الإمامة ٢ : ٢٦٤.
(١١) اُنظر المناقب ـ للخوارزمي ـ : ٢٢٢ ، وشرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد المعتزلي ـ ٦ : ١٦٧ ، ومناقب الإمام علي عليهالسلام ـ للمغازلي ـ : ١١٢ / ١٥٥.
(١٢) حديث الطائر وقصته من الشهرة والتصديق بشكل لا يخفى وقد نقلته كثير من مصادر الحديث بأسانيد