الدولة العباسة
وتبعثر أوصالها
كنتيجة منطقية لحالات الضعف المتوالية التي أوجدها اسلوب الحكم الخاطئ وفساد سدنته
ورموزه ، واستشراء ذلك في عموم أجهزته بشكل معلن غير خفي ، كل ذلك أدى إلى انحسار
ظل هذه الدولة المقيت ، وتراخي حلقاتها التي كانت إشد إحكاماً على الشيعة وأئمتهم
وعلمائهم ، فكان ذلك ايذاناً بفتح أبواب الاحتدام الفكري على مصراعيه قبالة دعاة
المذاهب المختلفة وروادها والتي كانت تموج بها الساحة الإسلامية آنذاك.
والتأمُّل العابر لمجمل التراث الفكري
والعقائدي الذي تمخضت عنه تلك الحقبة الخصبة والمعطاء يظهر بجلاء أبعاد تلك
المناظرات وأشكالها المختلفة وماتتسم به ، فالجدال في مسائل الجبر والاختيار ، والقدم
والحدوث ، وصفات الله تعالى ، والإمامة ، والعصمة ، والنص والاختيار ، وغير ذلك من
المباحث التي لا يعسر على أحد ادراكها ومعرفتها ، يعد السمة الغالبة للمناهج
الفكرية الطاغية على حلقات البحث ومطاوي الكتب ، والتي تتطلّب احاطه واسعة بالكثير
من تلك العلوم من قبل المناظر والباحث ، وهذا ما وفق إليه علماء الشيعة ومفكروها
بشكل واضح جلي.
حقاً لقد كانت الساحة الفكرية وحتى عصر
قريب من هذا العصر ـ وإلى حد ما ـ حكراً على فريقين متعارضين تناطحا طويلاً فيما
بينهما ، واقتسما ـ بفعل تقديم وتأخير السلطة لا حدهما على الآخر بين آونة وإخرى
لا غراض وأسباب شتى ـ تلك الساحة ، بيد إن ما ذكرناه من حالة تراخي قبضة السلطة عن
علماء الشيعة ومفكريهم ، وتعاطف البويهيين ـ الذي أحكموا قبضتهم على بغداد آنذاك ـ
__________________