المجازفين في الحقائق يقولون : قعد منها مقعد الرّجل من المرأة ، وحلّ عقد نطاقها وهو ينظر إلى أبيه تارة وإلى الملك أخرى ثمّ يعود لحلّ العقد!!
ونحن مع ذلك نعلم قطعا أنّ أحدنا ؛ على جهلنا وعدم عصمتنا وسوء أدبنا ، لو كان على تلك الحالة وكشفت عليه أمته لا نقبض وتغيّر عليه حاله ، فكيف بنا إذا كشف علينا آباؤنا وكبراؤنا! فكيف الملائكة؟!
فانظر إلى مقت هذه القولة وما ذا جمعت من الاجتراء والافتراء على أنبياء الله تعالى ، مع صفاقة الوجوه وعدم الحياء ، والتّهاون بذكر المصطفين الأخيار. وقد ذكرها الهمداني وغيره (١) في شرح قصّة يوسف ـ عليهالسلام ـ مع أنّ الهمّ في اللّسان : هو الخاطر الأوّل (٢) ، فإذا تمادى سمّي إرادة وعزما ، فإن لم يعترضه نقيض سمّي نيّة ، ثم إنّ الله تعالى وصفه بالخاطر الأوّل فقال : «هم» وهم يقولون : فعل وصنع! لا لعا (٣) لعثرتهم ولا سلامة!
__________________
ـ ـ وهمّ بالشيء : نواه ، وأراده ، وعزم عليه.
ـ وفي الشعر السّابق تمنّى الشاعر الخبيث لو كان شارك في قتل عثمان رضياللهعنه ، ولم يشف غلّه أن وطئ جسد عثمان برجله القذرة ، لعنه الله (أي تمنّى لو انتقل من الهمّ إلى الفعل).
(١) هي شائعة في كتب التّفسير ، تذكر من المفسّرين بين سرد وتلخيص ، وردّ واعتراض ، وحاكمها كثير منهم ، وأبطلوها بجملة من وجوه الاعتراض.
ـ والهمداني المشار إليه هو أبو محمّد الحسن بن أحمد الهمداني ، من بني همدان ، مؤرّخ عالم بالأنساب عارف بالفلك والفلسفة والأدب ، وهو صاحب كتاب (الإكليل) و (صفة جزيرة العرب) وغيرهما ، عاش بين ٢٨٠ و ٣٦٠ (وينظر ما في الأعلام للزركلي ٢ / ١٧٩ وحواشي الترجمة).
(٢) في تعريفات المناوي (تحقيقنا ط دار الفكر ٧٤٢) قال : الهمّ أوّل الإرادة ، وزاد فقال : هو عقد القلب على فعل شيء قبل أن يفعل من خير أو شرّ.
ـ وفي اللسان : همّ بالشيء : نواه وأراده وعزم عليه.
(٣) العرب تدعو على العاثر فتقول : لا لعا لك ، أي : لا أقامك الله ، وتدعو له فتقول : لعا لك ، أي أقام الله عثرتك.