والوجه الثاني : أنه يبطل بصرف ما لا ينصرف ، فإنه يوقع لبسا بين ما ينصرف وما لا ينصرف في نحو قوله :
[٣٤٣] * قواطنا مكة من ورق الحمي*
وكذلك سائر ما لا ينصرف ، ومع هذا فقد وقع الإجماع على جوازه ، فكذلك هاهنا.
فإن قالوا : الكلام به يتحصل القانون دون الشعر (١) ، وصرف ما لا ينصرف لا يوقع لبسا بين ما ينصرف وما لا ينصرف ؛ لأنه لا يلتبس ذلك في اختيار الكلام.
قلنا : وهذا هو جوابنا عما ذكرتموه ؛ فإنه إذا كان الكلام هو الذي يتحصل به القانون دون الشعر ، فترك صرف ما ينصرف في ضرورة الشعر لا يوجب لبسا بين ما ينصرف وما لا ينصرف ؛ إذ لا يلتبس ما ينصرف وما لا ينصرف في اختيار الكلام ، والله أعلم.
______________________________________________________
من حق العربية عليه أن يقول «تهيضه غيبتي» إلا أنه حذف الياء كما يحذفها لو أن الفعل كان مجزوما ، ونفاد عمره : ذهابه وزواله ، ومحل الاستشهاد في البيت قوله «عمره» فقد اختلس كسرة الهاء ـ وهي ضمير الغائب العائد إلى والد ـ اختلاسا ، ولم يشبعها حتى تتولد عنها ياء ، وهو نظير ما تقدم في شرح الشواهد السابقة.
[٣٤٣] هذا بيت من الرجز المشطور ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٨) ونسبه إلى العجاج ، وقد أنشده ابن منظور (ح م م) ثالث ثلاثة أبيات ، ونسبها إلى العجاج وهي في روايته هكذا :
ورب هذا البلد المحرم |
|
والقاطنات البيت غير الريم |
* قواطنا مكة من ورق الحمى* |
وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ٢٦٢) وشرحه العيني (٣ / ٥٥٤ في هامش الخزانة) والقاطنات : جمع قاطنة ، وهي اسم الفاعل المؤنث من «قطن المكان يقطنه» إذا أقام فيه ، والريم : جمع رائمة ، وهي اسم الفاعل المؤنث من «رام الموضع يريمه» إذا فارقه وتركه ، ويروى «أو الفا» وهو جمع آلفة ، ومهما يكن من شيء فإن في قوله «أو الفا» أو «قواطنا» صرف الاسم الذي لا ينصرف ؛ فإنه على صيغة منتهى الجموع ، وكان عليه أن ينصبه بالفتحة من غير تنوين ، إلا أنه لما اضطر إلى إقامة الوزن نونه.
__________________
(١) يريد المؤلف بهذه العبارة أن قوانين العربية وقواعدها إنما تؤخذ من الكلام وهو النثر ـ وذلك بسبب أن الشعر لضيق العبارة فيه بسبب الوزن والرويّ والقافية تعرض للشاعر فيه عوارض تدفعه إلى أن يرتكب ما لا يرتكبه لو أنه في فسحة من أن يقول ما شاء.