بالكسر التبس بفعل المرأة المخاطبة ، نحو «تضربنّ يا امرأة» فبطل تحريك اللام ، وبطل أن تلحق الألف ؛ لأنه لا يخلو : إما أن تكسر النون لالتقاء الساكنين ، أو تترك ساكنة مع الألف ، بطل أن تكسر لالتقاء الساكنين ؛ لأنها تجري مجرى نون الإعراب ، وذلك لا يجوز ، وبطل أن تترك ساكنة مع الألف ؛ لأنه يجتمع ساكنان على غير حدّه ؛ لأنه لم ينقل ذلك عن أحد من العرب ، ولا نظير له في كلامهم ، وذلك لا يجوز ؛ فإذا ثبت هذا فلسنا بمضطرين إلى إدخالها على صورة لم تنقل عن أحد من العرب وتخرج بها عن منهاج كلامهم.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم : «إن النون الخفيفة مخففة من الثقيلة» قلنا : لا نسلم ، بل كل واحد منهما أصل في نفسه ، غير مأخوذ من صاحبه ؛ فالنون الشديدة والخفيفة ، وإن اشتركا في التأكيد فهما متغايران في الحقيقة ، وكلتاهما لتأكيد الفعل ، وإخراجه عن الحال ، وإخلاصه للاستقبال ، والثقيلة آكد في هذا المعنى من الخفيفة.
والذي يدل على أن الخفيفة ليست مخففة من الثقيلة أن الخفيفة تتغير في الوقف ، ويوقف عليها بالألف ، قال الله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) [العلق : ١٥] وقال تعالى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) [يوسف : ٣٢] أجمع القرّاء على أن الوقف في هذين الموضعين (لَنَسْفَعاً) ، (وَلَيَكُوناً) بالألف لا غير.
وقال الشاعر :
[٤٠٩] يحسبّه الجاهل ما لم يعلما |
|
شيخا على كرسيّه معمّما |
______________________________________________________
[٤٠٩] هذان بيتان من مشطور الرجز لأبي الصمعاء مساور بن هند العبسي ، وهما من شواهد سيبويه (٢ / ١٥٢) وابن يعيش في شرح المفصل (ص ١٢٤١) ورضي الدين في باب نون التوكيد من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٤ / ٥٦٩) وابن هشام في أوضح المسالك (رقم ٤٧٤) وابن عقيل (رقم ٣١٧) وقد زعم الأعلم أن هذين البيتين في وصف جبل قد عمه الخصب ونما فيه النبات فجعله الراجز كشيخ مزمل في ثيابه معمم بعمامته ، وأنه خص الشيخ لوقاره في جلسته وحاجته للاستكثار من الثياب. وليس هذا الكلام بشيء ، بل البيتان في وصف وطب لبن قد علته رغوة اللبن وتكورت فوقه فأشبهت العمامة بدليل أن قبل البيتين قوله :
وقد حلبن حيث كانت قيما |
|
مثنى الوطاب ، والوطاب الزمما |
* وقمعا يكسى ثماما قشعما* |
قيما : هو ـ بضم القاف وتشديد الياء ـ جمع قائمة ، والقياس أن يقال : قوم ـ بالواو ـ لأن عين هذه الكلمة واو ، ومثنى الوطاب : أي المتكرر منه ، والوطاب : جمع وطب وهو سقاء اللبن خاصة ، والزمم : جمع زام ، وهو المملوء ، والقمع ـ بكسر القاف وفتح الميم ـ هو