بوجود القصيدة في ديوان شعر ، أو في مجموعة من المجموعات الشعرية. إلا إذا كان الديوان أو المجموعة مخرّجة وموثقة ، ومحققة ، على مثال التحقيق الذي سار على نهجه الأستاذان : أحمد محمد شاكر ، وعبد السّلام هارون ، في تحقيق مجموعات عيون الشعر ، وكما ظهر أنموذجه في «المفضليات» و «الأصمعيات». ومثل تحقيقات عبد القادر البغدادي ـ في خزانة الأدب ـ حيث حقق نسبة الأبيات والشواهد ، والمقطوعات ، وقدّم للنص نقدا توثيقيا لم يسبقه إليه أحد ، ولم يستطع أن يزيد عليه أحد في العصر الحديث ، لتوفّر المصادر في زمنه أكثر من توفرها في العصر الحديث ؛ لأنه أدرك مصادر الشعر قبل تبدّدها وتفرقها في أنحاء الكرة الأرضية الجديدة. وإنه ليذكر مصادر كثيرة كانت موجودة في عصره (١٠٣٠ ـ ١٠٩٣ ه) ولم تصل إلينا.
٣ ـ أشرت في التعليقة السابقة إلى نماذج من القصائد المطولة التي تجمعها وحدة عضوية معنوية ، مما يدحض شبهة تفكك القصيدة العربية القديمة. وأشير هنا إلى عشرات النماذج من المقطوعات الشعرية المنتزعة من قصائد مطولة ، أو المقطوعات التي كانت هي كل ما جادت به قريحة شاعر ، وفي «حماسة» أبي تمام (٨٨٢) مختارة ، وأكثرها من خمسة أبيات فما فوقها ، وقد تصل إلى العشرين بيتا ، وقد جرى فيها أبو تمام على تبويب معاني الاختيار ، وقسمها إلى أبواب هي : باب الحماسة ، وباب المراثي ، وباب الأدب ، وباب النسيب ، وباب الهجاء ، وباب الأضياف ، وباب المديح ، وباب السير والنعاس ، وباب الملح ، وباب مذمّة النساء. وقد صبّ أبو تمام ذوقه الفني على ما وصل إليه من أشعار العرب ، فاختار لكل باب من أبواب «الحماسة» ما ارتضاه ذوقه ، وأجمع العلماء على تزكية أبي تمام في «الحماسة» ، وعلى تزكية «الحماسة» ونصوصها. ألا ترى إلى قول العلماء : الدليل على هذا بيت «الحماسة» ، فيقنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه؟.
وإن قراءة أبيات هذه المقطوعات ليبطل مزاعم القائلين بأن البيت وحدة القصيدة القديمة ، وأن تقديم بيت على بيت لا يفسد المعنى. وأمامك مئات من المختارات ، تتحدّى من يزعم أنه يستطيع تقديم بيت على أخيه ومجاوره دون أن