والقصيدة من
أحسن ما قيل في الفخر والشجاعة ، وفي البيت الشاهد من المعاني المستفادة ما لا حصر
لها ، توافق حال أمتنا ، لأنهم عند ما يفقدون مواطن العزّ ، لا يزيدون على ما
فعلته هذه البقرة.
والبيت
الشاهد : ذكره ابن هشام
في باب «التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين ، والصواب خلافها» ، في المسألة
السادسة عشرة ، حيث قالوا : يغلب المؤنث على المذكر في مسألتين ، إحداهما :
التأريخ ، فإنهم أرّخوا بالليالي دون الأيام ، قال ابن هشام : وهذا ليس من باب
التغليب ، لأن التغليب أن يجمع شيئان : فيجري حكم أحدهما على الآخر ، ولا يجمع
الليل والنهار ، وإنما أرّخت العرب بالليالي لسبقها ، إذ كانت أشهرهم قمريّة ،
والقمر يطلع ليلا ، وإنما المسألة الصحيحة قولك : «كتبته لثلاث بين يوم وليلة»
وضابطها أن يكون معنا عدد مميز بمذكر ومؤنث ، وكلاهما مما لا يعقل ، وفصلا من
العدد بكلمة «بين» وذكر البيت ، فقال الشاعر «ثلاثا» لأنه يعد الليالي ويؤرخ بها ،
ويغلب المؤنث على المذكر في هذه المسألة ، ولكن ليس في التأريخ فقط ، فقد يقال :
اشتريت عشرا بين جمل وناقة. [شرح أبيات المغني / ٨ / ٢٣].
(١٦٣) إنني رمت الخطوب فتى
|
|
فوجدت العيش
أطوارا
|
ليس يفني
عيشه أحد
|
|
لا يلاقي فيه
إمعارا
|
من صديق أو
أخي ثقة
|
|
أو عدو شاحط
دارا
|
هذا الأبيات
لعدي بن زيد العبادي ، الجاهلي من قصيدة مطلعها :
يا لبينى
أوقدي نارا
|
|
إنّ من تهوين
قد حارا
|
وهي من البحر
المديد ، وقوله : رمت الخطوب ، أي : رمت معرفة الخطوب والأطوار : الأحوال المختلفة
، والإمعار : الافتقار ، وتغيّر الحال ، والشاحط : البعيد ، يقول : وجدت عيش
الإنسان في طول عمره يختلف ، فتارة يستغني وتارة يفتقر ، فلا يفني أحد عيشه إلا
يجد فيه هذه الأطوار المختلفة ، وقوله : من صديق .. الخ ، من : للبيان ، في موضع
الحال من «أحد» وقوله : فتى ، أي : شابا ، حال من التاء في «رمت» وجملة (لا يلاقي)
صفة لـ «أحد».
والشاهد
: شاحط دارا ،
على أن (شاحط) صفة مشبهة بمعنى «بعيد» و «دارا» تمييز ، محول من الفاعل. [سيبويه /
١ / ١٠٢ ، وشرح أبيات المغني / ٧ / ١٢].