٦٠٩ ه). فأخذ يستشهد بالحديث النبويّ كثيرا ، ثم جاء ابن مالك صاحب الألفية (ـ ٦٧٢ ه) فأكثر من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب.
فجاء أبو الحسن بن الضائع (علي بن محمد بن علي الإشبيلي ـ ٦٨٠ ه) فعاب ابن خروف على صنيعه وقال «وابن خروف يستشهد بالحديث كثيرا ، فإن كان على وجه الاستظهار والتبرك بالمروي فحسن وإن كان يرى أنّ من قبله أغفل شيئا وجب عليه استدراكه فليس كما رأى». [الخزانة ١ / ١٠].
ثم جاء أبو حيّان النحوي (محمد بن يوسف بن علي الجيّاني ـ ٧٤٥ ه) فشنّع على ابن مالك لإكثاره من الاستشهاد بالحديث ، وعلّل تشنيعه هذا بمزاعم تدلّ على جهله بالحديث النبويّ وبتاريخ الرواية والتدوين وأخطأ أخطاء فاضحة تحمّل وزرها إلى يوم القيامة ؛ لأنه كان بمزاعمه عونا للطاعنين في الحديث النبوي فيما بعد ، حيث اتخذوا كلامه حجة للطعن في الحديث ، فقالوا إنه ليس حجة في التشريع. ذلك أن أبا حيّان ، زعم أن الأحاديث لم تنقل إلينا بلفظ النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإنما نقلت بالمعنى ، وأنه وقع اللحن فيها ؛ لأن كثيرا من الرواة كانوا من العجم ، وأن أئمة النحو المتقدمين من المصرين ـ الكوفة والبصرة ـ لم يحتجوا بشيء منه.
قال أبو أحمد : إنّ ابن الضائع في عيبه ابن خروف على كثرة استشهاده بالحديث ، إنما هو مضيّع علما كثيرا ، ولذلك ضلّ ضلالا مبينا. وإنّ أبا حيّان الجيّاني : مدّع جاهل ، يدخل أنفه فيما لا يفهمه ويكفيه ضلالا أنه شغل نفسه بتأليف الكتب في لغات كانت أيامه ميتة ، فصنع كتابا بعنوان «زهو الملك في نحو الترك». و «الإدراك للسان الأتراك» و «منطق الخرس في لسان الفرس» و «نور الغبش في لسان الحبش». وإذا كان شغل نفسه بلغات الأرض ، كيف يحكم على لغة الحديث النبوي ، وهو لم يشغل نفسه بها. وإليك تفصيل الجواب عن مزاعم ابن الضائع ، وأبي حيّان :
أ ـ كون الأقدمين لم يحتجوا بالحديث ، هذا حجة عليهم لا لهم. فهم وإن لم يحتجوا بالحديث فإنهم لم يصرحوا بالسبب الذي جعلهم يحجمون عن الاحتجاج