والتقدير فيه : بغام راحلتي بغام عناق ، وقال الآخر :
[٢٣٤] لقد خفت حتّى لا تزيد مخافتي |
|
على وعل في ذي المطارة عاقل |
والتقدير فيه : حتى لا تزيد مخافتي على مخافة وعل ، وهو من المقلوب ، وتقديره : حتى لا تزيد مخافة وعل على مخافتي ، كما قال الآخر :
[٢٣٥] [١٦٥]كانت فريضة ما تقول كما |
|
أنّ الزّناء فريضة الرّجم |
______________________________________________________
[٢٣٤] هذا البيت من كلام النابغة الذبياني ، وقد أنشده ياقوت في معجم البلدان (مطارة) كما أنشده الشريف المرتضى في أماليه (ص ٢١٦) والوعل ـ بفتح الواو وكسر العين أو سكونها ؛ وفيه لغة بضم الواو وكسر العين ، وهي ضعيفة ـ تيس الجبل ، والمطارة ـ بفتح الميم ـ قال ياقوت : «يجوز أن تكون الميم زائدة فيكون من طار يطير ، أي البقعة التي يطار منها ، وهو اسم جبل» ويضاف إليه «ذو» وعاقل : أي متحصن ، وفي الحديث «ليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل» أي ليتحصنن أي يعتصم ويلتجىء إليه كما يتحصن الوعل إلى رأس الجبل. ومحل الاستشهاد بالبيت هنا قوله «لا تزيد مخافتي على وعل» فإن الكلام فيه على تقدير مضاف : أي لا تزيد مخافتي على مخافة وعل ، ألا ترى أن مخافته لا تشبه بالوعل نفسه ، وإنما تشبه بمخافة الوعل؟ وقد قالوا : إن الكلام على القلب ؛ فإن الأصل : لا تزيد مخافة الوعل المعتصم بالجبل على مخافتي ، فقلب ، قال الأصمعي : «يقول : قد خفت حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي ، فلم يمكنه ، فقلب» اه. وهذا أحد توجيهين في هذا البيت ، والتوجيه الثاني : أن تكون «ما» في قوله «ما تزيد مخافتي» زائدة ، وكأنه قال : حتى تزيد مخافتي ، والاستشهاد به لما أراد المؤلف منه لا يزول على أي الوجهين.
[٢٣٥] هذا البيت قد أنشده ابن منظور (ز ن ى) ونسبه إلى الجعدي ، وأنشده الشريف المرتضى في أماليه (ص ٢١٦ ط الحلبي) والعباسي في معاهد التنصيص (ص ٨٦ بولاق) من غير عزو ، ومحل الاستشهاد بهذا البيت قوله «أن الزناء فريضة الرجم» فإن هذه العبارة مقلوبة ، وأصلها «أن الرجم فريضة الزنا» وعلماء العربية يختلفون في القلب : أجائز هو أم غير جائز ، ولهم فيه ثلاثة أقوال : الأول : أنه جائز مقبول مطلقا وممن ذهب هذا المذهب السكاكي ، والثاني : أنه غير جائز ولا مقبول مطلقا ، وما وقع من ذلك في شعر الشعراء فهو من أخطائهم أوله تأويل آخر كالتأويل الذي ذكرناه في شرح الشاهد السابق (رقم ٢٣٤) والثالث : أنه إذا كان قد تضمن اعتبارا لطيفا فهو جائز مقبول ، وإن لم يتضمن اعتبارا لطيفا فهو مردود على صاحبه ، ومن أمثلة القلب قول الراجز وأنشده ابن منظور (ح ل ا) :
إن سراجا لكريم مفخره |
|
تحلى به العين إذا ما تجهره |
فقد أراد الراجز أن يقول «يحلى بالعين» فلم يستطع ، فقلب ، ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج وأنشده الخطيب القزويني في الإيضاح (ص ٧٨ بتحقيقنا) والشريف المرتضى في الأمالي (ص ٢١٦) وسيأتي مع الشاهد ٢٣٦ قريبا :
ومهمه مغبرة أرجاؤه |
|
كأن لون أرضه سماؤه |