اظهركم بعد أن هداكم الله بالاسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به أمر الجاهلية واستنقذكم من الكفر ، وألّف به بين قلوبكم » (١).
ومع كل هذه الأوامر العديدة والتحذيرات الشديدة نرى ـ ياللاسف ـ أنّ المسلمين اختلفوا بعد وفاته ـ وجثمانه بَعدُ لم يُوار ـ إلى فرقتين يجمعهما الاتّفاق في سائر الاُصول ويفرّقهما الخلاف في مسألة الخلافة والولاية وهاتان الفرقتان هما :
١ ـ فرقة تبنّت مبدأ التنصيص على الشخص المعيّن وقالت إنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم نصّ على خلافة علي وولايته في مواضع عديده ومناسبات كثيرة ، أعظمها واشهرها يوم الغدير في منصرفه عن حجّة الوداع في العام العاشر ، فقال في محتشّد عظيم : « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » وقد بلغ الحديث في كل عصر حدّ التواتر بل تجاوز حدّه ، ومن المتبنّين لهذه الفكرة ، أكابر بني هاشم وشخصيّاتهم البارزة كعباس بن عبدالمطلب وعقيل بن أبي طالب وغيرهما ولفيف من الأصحاب ، كسلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وأبي التيهان ، وأبي أيّوب الأنصاري وغيرهم من المهاجرين والأنصار ، الذين شايعوا علياً ، ونفّذوا ما أوصى به النبي الأكرم في حقّ وصيّه ، وهؤلاء همّ نواة الشيعة وهم جزء من المسلمين الاُول ، فقد بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول.
٢ ـ فرقة تبنّت فكرة الشورى ، وانّ لها اختيار القائد ، وانتهت تلك الفكرة بعد مشاجرات ومشاغبات بين متبنّيها إلى خلافة أبي بكر بن أبي قحافة ، وتمّت البيعة له في سقيفة بني ساعدة ، ببيعة عدّة من المهاجرين ، كعمر بن الخطاب
__________________
١ ـ ابن هشام : السيرة النبوية ٢ / ٢٥٠.