الناس كانت أيدينا لك ناصراً ، وألسنتنا لك شاهداً ، وكنت ذا عذر وحجة.
فقال له علي : اغدُ عَليّ غداً ، فخذ جواب كتابك ، فانصرف ثم رجع من الغد ليأخذ جواب كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه ، فلبست الشيعةُ أسلحتها ثم غدوا فملأوا المسجد واخذوا ينادون : كلنّا قتل ابن عفان ، وأكثروا من النداء بذلك ، واُذن لأبي مسلم فدخل على عليّ أميرالمؤمنين فدفع إليه جواب كتاب معاوية ، فقال له أبومسلم : قد رأيت قوماً مالك معهم أمر. قال : وما ذاك؟ قال : بلغ القوم انّك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان ، فضجّوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا أنّهم كلّهم قتلة عثمان ، فقال علي : والله ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين ، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينيه ، مارأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك ولاإلى غيرك. (١)
نحن نفترض انّ بعض من لبس السلاح في هذه الواقعة لم يكونوا من المهاجمين ، أوالمؤلّبين ، أوالمجهزين ، لكن تواجد هذه الكميّة الهائلة من المتبنّين لهذه الفكرة في الكوفة ، فضلا عن أبناء جلدتهم في البصرة والمدينة ، المؤيّدين المتفرقين في بلادهم ، يدلّ على أنّ المسألة صارت أزمة اجتماعيةً معقّدةً ، ولم يكن الإمام متمكّناً من دفع من قام بالقتل إلى وليّ الدم.
ويعرب عن ذلك كلام الإمام للناكثين ، فقد دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة ، فقال : يا عليّ إنّا قد اشترطنا إقامة الحدود ، وانّ هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلّوا بأنفسهم ، فقال لهم : يا اخوتاه ، إنّي لست أجهل ما تعلمون ، ولكّني كيف أصنع بقوم يملكونا ، ولا نملكهم ، هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم ، وثابت إليهم أعرابكم ، وهم خلالكم ، يسومونكم ما شاءوا ، فهل ترون موضعاً لقدرة على شيء ممّا تريدون؟ قالوا : لا. قال : فلا ،
__________________
١ ـ نصربن مزاحم : وقعة صفّين ٩٥ ـ ٩٧.