وبذلك يتضح ايضا عمق الضربة الاستراتيجية التي وجهها الحسن عليهالسلام الى معاوية ولم يدعه يقوم بعدها ابدا حتى حين يغدر بعهده ، اذ استجاب لمعاوية بصيغة من الصلح تحقق له معالجة الانشقاق وتقوي الامة ازاء الخطرين اللذين يهددانها الخوارج من الداخل والروم من الخارج ، كما تحقق له افتضاحه وافتضاح تجربة قريش المسلمة التي ورثها معاوية وتحقق له ظهور حق ابيه علي في الشام وكونه وارث النبي صلىاللهعليهوآله ووصيه كل ذلك في ان واحد.
واخيرا فانه مما لا شك فيه ان الحسن كان قد وضع في حسابه ان معاوية سوف يستجيب مؤقتا ، والغدر بعدها في الوقت المناسب ليس تخمينا بل علما قاطعا من خلال معرفته بأصول معاوية التي تربى عليها.
ولكنه في الوقت نفسه يعتقد الحسن ان معاوية سوف لن يكون غبيا في تعامله مع هذه الصفقة المفاجئة التي اسالت لعابه بل سيظهر كل دهائه ليضرب ضربته بعد ان يستقر له الملك ولن يستقر في اقل من خمس سنوات الى عشر سنوات ، ان معاوية مهما اختلف في دينه (١) فان دهاءه وشيطنته في التخطيط وتقدير اولويات الصراع لأجل الدنيا امر لا خلاف فيه (٢) ، واولويات الصراع هنا تقتضي بعد تسليم الحسن الملك له مداراة
__________________
(١) أقول : فقد قامت عقيدة الغالبية من اهل السنة على ان معاوية من ائمة الهدى استنادا الى ما رواه الترمذي في الجامع الصحيح ج ٥ ص ٣٥١ ، واحمد بن حنبل في مسنده ج ٦ ص ٢٢٦ ، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، ج ٥٩ ص ٨٣ من ان النبي صلىاللهعليهوآله قد دعا لمعاوية قال (اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به) ، وفي قبال ذلك : ما رواه مجمع الزوائد ج ٨ ص ١٢١ عن الطبراني في الكبير ج ١١ ص ٣٢ من طريق ابن عباس : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم انظروا من هما. قال : فقالوا : معاوية وعمروبن العاصي ، فرفع رسول الله يديه فقال : اللهم اركسهما ركسا ، ودعهما إلى النار دعا. ولكن احمد حين أخرجه في المسند ٤ : ٤٢١ ، رفع اسميهما وقال (فلان وفلان) وقد قامت عقيدة الشيعة ان معاوية في النار بما سفك من دماء الابرار كعمار وهاشم بن عتبة المرقال ونظرائهما وبما سلط ابنه يزيد على رقاب المسلمين وما قام به من قتل الحسين وصحبه وسبي بنات الرسالة واباحة المدينة لجيشه في واقعة الحرة ورمي الكعبة بالمنجنيق وغير ذلك مما يحفل به تاريخ معاوية من جرائممات عليها.
(٢) أقول : كان معاوية يعلم حق العلم ان الذي قتل عثمان هو طلحة ولكنه داس على جراحاته واتفق معه لمواجهة علي عليهالسلام في البصرة ، وانتقم مروان من طلحة حين حانت له فرصة وقتل طلحة