النبي صلىاللهعليهوآله لفضح قريش المشركة التي شوهت الحركة الرسالية للنبي عند القبائل بإعلام كاذب لكي لا تتأثر به. (١)
مضافا الى ذلك فان هذا الصيغة تتيح للحسن ان يشترط ما يريد من الشروط وليس للطرف الاخر الا ان يقبل الصفقة كلها او يرفضها كلها.
ان اطروحة الحسن للصلح تدفع معاوية دفعا لان يستقبلها ولا يرفضها ولو رفضها لكان الملوم عند شعبه. وفي الوقت نفسه فان معاوية يعلم ان قبوله للشروط معناه ظهور امر الامامة الالهية لعلي في الشام وانه امتداد لرسول الله في سيرته ، وأنّه في مخالفته لسيرة الشيخين في حج التمتع وغيرها كان مصيبا (٢) وان كل من خالف عليا في صغيرة او كبيرة ان على الباطل ، ولكنه افتضاح كان معاوية قد استبطن الخطة لعلاجه كما اشرنا انفا.
إنَّ الحسن عليهالسلام بتنازله المشروط عن السلطة سوف يحقق فتحاً عظيماً لقلوب اهل الشام إزاء أبيه علي عليهالسلام ، ويهيؤها لاستقبال نصوص ولايته الالهية التأسيسية من الكتاب والسنة ، كما حقق صلح الحديبية من قبل فتحاً مبيناً لقلوب سكان أهل الحجاز ونَجْد إزاء النبي صلىاللهعليهوآله وهيأها لاستقبال الإسلام والاعتراف بنبوته صلىاللهعليهوآله.
ويتبيَّن بذلك سرُّ قول الإمام الحسن عليهالسلام لأحد أصحابه : (إن علة مصالحته لمعاوية هي علة مصالحة النبي لقريش) (٣) ،
وسرُّ قول الإمام الباقر : (والله لَلذي صنعه الحسن بن علي عليهالسلام كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس والقمر). (٤)
__________________
(١) أقول : من المفيد التنبيه على مقامين للنبي صلىاللهعليهوآله والائمة عليهمالسلام الاول : مقام الامامة الالهية وهو مقام تشريعي ويستلزم العصمة والنص من الله تعالى مباشرة للنبي وبواسطته لأوصيائه وهذا المقام لا ينفك عن صاحبه بالاضطهاد او الموت او القتل ولذلك يجب على الفرد ان يبايع النبي او الامام حيا او ميتا ليتحقق ايمانه وهي بيعة الايمان ، فهي اساسا موجهة للفرد والجماعة ، الثاني : مقام الحكم وهو مقام تنفيذي ولا يستلزم في نفسه ان يكون صاحبه معصوما وهذا المقام لا يكون فعليا للنبي والامام الا ببيعة من ينهض بهم الحكم وهم اهل الحل والعقد فهي موجهة اساسا الى الجماعة وليس الى الفرد وهذا المقام هو الذي يقبل التنازل والتجميد وهو الذي تنازل عنه الحسن واشترط فيه شروطا.
(٢) انظر قصة حج التمتع مفصلة في كتابنا شبهات وردود ص ٢١١.
(٣) المجلسي ، بحار الانوار ج ٤٤ ص ٢٧٣ نقلا عن علل الشرائع للشيخ الصدوق.
(٤) الكليني ، الكافي ، ج ٨ ص ٢٥٨.