واعلن ابو طالب نصرته للنبي وايمانه بمستقبلها في قصيدته اللامية المشهورة قائلا :
فأبلغ قصيّاً أنْ سينشر أمرُنا |
|
وبشّر قصيّاً بعدنا بالتخاذل |
كذِبتم وبيتِ الله نبزى محمداً |
|
ولما نطاعن دونه ونناضلِ (١) |
ونسلمه حتى نصرَّع دونه |
|
ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
ومنها يفهم ان ابا طالب يعتبر ان رسالة محمد صلىاللهعليهوآله قد جاءت لتحرير دين ابراهيم من بدع قريش واسلافهم هذا الدين الذي انتهت مواريثه ومهمة الحفاظ عليه الى ابي طالب ولإرجاع الامامة الابراهيمية المغتصبة الى اهلها الشرعيين.
ثم قيض الله تعالى اهل المدينة على النصرة وهاجر الى المدينة ، وفرضت قريش المشركة على النبي صلىاللهعليهوآله حربين ظالمتين ، الاولى في بدر وكان النصر المؤزر له فيها ، الثانية في احد وقد خسر النصر فيها بسبب معصية نفر من اصحابه لأمره حين تركوا مواقعهم طمعا في الغنيمة.
طورت قريش في هذين الحربين اعلامها الكاذب الذي بدأت به (٢) في مواجهة دعوة
__________________
(١) نبزى محمدا : اي نسلبه ونغلب عليه (لسان العرب).
(٢) روى الشيخ الطبرسي في اعلام الورى ص ٥٥ ، قال : روى علي بن إبراهيم ، قال : خرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكة في عمرةِ رجب يسألون الحلفعلى الأوس ، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة ، فنزل عليه ، فقال له : إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم ، فقال عتبة : بُعدت دارنا عن داركم ولنا شغل لا نتفرغ لشيء ، قال : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟! قال له عتبة : خرج فينا رجل يدّعي انّه رسول الله ، سفّه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرّق جماعتنا ، فقال له أسعد : من هو منكم؟ قال : ابن عبد الله بن عبد المطلب ، من أوسطنا شرفاً ، وأعظمنا بيتاً ؛ وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم أبناء «النضير» و «قريظة» و «قينقاع» انّ هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنَّكم به يا معشر العرب ، فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود ، قال : فأين هو؟ قال : جالس في الحِجْر ، وانّهم لا يخرجون من شِعْبهم إلّا في الموسم ، فلا تسمع منه ولا تُكلّمه ، فإنّه ساحر يسحرك بكلامه ، وكان هذا وقت محاصرة بني هاشم في الشعب ، فقال له أسعد : فكيف أصنع وأنا معتمر لابدّ لي أن أطوف بالبيت؟ فقال : ضع في أُذنيك القطن ، فدخل أسعد المسجد وقد حشا أُذنيه من القطن ، فطاف بالبيت ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم ، فنظر إليه نظرة ، فجازه. فلمّا كان في الشوط الثاني قال في نفسه : ما أجد أجهل منّي ، أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أعرفه؟! حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم ، ثمّ أخذ القطن من أذنيه ورمى به ، وقال لرسول الله : أنعم صباحاً ، فرفع رسول الله رأسه إليه وقال :