فيتعيَّن حمل الأدلة على معناها الظاهر بل الصريح ، وهو المعراج الجسماني.
وأما ما سُجِّل في دعاء الندبة الشريفة : وعَرَجتَ بروحه ، فهي إنما توجَد في نسخة من نسخ المصباح للسيد ابن طاووس لا في جميعها. والمأخذ لدعاء الندبة الشريفة هو المزار الكبير للشيخ الجليل ابن المشهدي ، بسنده المعتبرالمذكور في محلِّه ، وليس فيه كلمة بروحه.
علماً بأن المصباح ينقل الدعاء بنفس سند المزار ؛ يعني : عن محمد بن علي بن أبي قُرَّة ، عن محمد بن الحسيني البزوفري ، فسند دعاء الندبة الشريفة إذاً سند واحد وهو سند المزار الكبير. والموجود في المزار وكذا في بقية نسخ المصباح هو : وعَرَجتَ به. وهو ظاهر في العروج بشخص النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لا بروحه فقط ١.
وعليه ، فلا قرينة من هذه الجهة على المعراج الروحاني.
وأما ما في تفسير بعض العامة عن عائشة أنها قالت : «والله ما فُقِد جسد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولكن عرج بروحه» ٢ ، فليس بمقبول أصلاً ، ولا صالح للقرينة قطعاً. وذلك :
أولاً : لأن عائشة معلومة الحال.
ثانياً : لأن قولها هذا ليس عن خُبرة وصِدق مقال ؛ حيث إن الإسراء كان من مكة بعد النبوة بسنتين ، كما سيأتي عن ابن عباس الذي هو مقبول القول عند العامة. وعائشة آنذاك لم تكن زوجة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله أو معاشرة له حتى تخبرعن فقدان جسده أو عدم فقدانه ، بل لم تكن مولودة في عالم الحياة! حيث إنه تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الهجرة بسنتين وهي بنت سبع سنين ، وبَنى عليها بالمدينة وهي بنت تسع سنين وعشرة أشهر ٣.
ثالثاً : إنه لم يكن الإسراء من بيت عائشة حتى يكون لها إطلاع على جسم الرسول صلى الله عليه وآله
__________________
١. لاحظ التفصيل في كتاب : تحقيقي دربارهء دعاى ندبه : ص ٣٢.
٢. جاء في تفسير الكشّاف : ج ٢ ص ٦٤٧. وذكر في الهامش إرسال سنده ، وأنه رواه ابن إسحاق في المغازي ؛ قال : حدثني بعض آل أبي بكر عن عائشة بهذا ، لكن أسرى بدل عرج.
٣. سفينة البحار : ج ٦ ص ٥٧٣.