وإنما لم يجز أن يقدر مستأنفا لأنه لا ارتباط حينئذ بينه وبين كفانى ؛ فلا تنازع بينهما.
فإن قلت : لم لا يجوز التنازع على تقدير الواو للحال ، فإنك إذا قلت «لو دعوته لأجابنى غير متوان» أفادت لو انتفاء الدعاء والإجابة دون انتفاء عدم التوانى حتى يلزم إثبات التوانى؟
قلت : أجاز ذلك قوم منهم ابن الحاجب فى شرح المفصل ووجّه به قول الفارسى والكوفيين إن البيت من التنازع وإعمال الأول ، وفيه نظر ؛ لأن المعنى حينئذ لو ثبت أنى أسعى لأدنى معيشة لكفانى القليل فى حالة أنى غير طالب له ؛ فيكون انتفاء كفاية القليل المقيدة بعدم طلبه موقوفا على طلبه له ؛ فيتوقف عدم الشىء على وجوده.
ولهذه القاعدة أيضا بطن قول بعضهم فى (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إن فاعل تبين ضمير راجع إلى المصدر المفهوم من أن وصلتها بناء على أن تبين وأعلم قد تنازعاه كما فى «ضربنى وضربت زيدا» ؛ إذ لا ارتباط بين تبين وأعلم ، على أنه لو صح لم يحسن حمل التنزيل عليه ؛ لضعف الإضمار قبل الذكر فى باب التنازع ، حتى إن الكوفيين لا يجيزونه البتة ، وضعف حذف مفعول العامل الثانى إذا أهمل كـ «ضربنى وضربت زيد» حتى إن البصريين لا يجيزونه إلا فى الضرورة.
والصواب أن مفعول أطلب «الملك» محذوفا كما قدمنا ، وأن فاعل تبين ضمير مستتر : إما للمصدر ، أى فلما تبين له تبين كما قالوا فى (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) أو لشىء دل عليه الكلام ، أى فلما تبين له الأمر أو ما أشكل عليه ، ونظيره «إذا كان غدا فأتنى» أى إذا كان هو ، أى ما نحن عليه من سلامة.