حكاية الحال الماضية ويحتمل أن يكون المراد عامة الكفار. قوله (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) يجوز أن تكون «ما» مصدرية ، وفائدة العدول عن صريح المصدر إلى العبارة الموجودة أن القاتل إذا قال: أعجبني صنعك. لم يعلم أن الإعجاب من أمر قد تتحقق أو من أمر هو فيه. وإذا قال: أعجبني ما تصنع. شمل الحال والاستقبال. ويجوز أن تكون «ما» موصولة والفرق أن المتبع في الأول الهوى وفي الثاني مقتضى الهوى. وقوله (الْأَنْفُسُ) من باب مقابلة الجمع بالجمع. والمعنى اتبع كل واحد منهم ما تهواه نفسه كقولك: خرج الناس بأهلهم أي كل واحد بأهله ولعل الظن يختص بالاعتقاد وهوى النفس بالعمل. ويجوز أن يكون الظن مقصودا به كل ماله محمل مرجوح والهوى يراد به ما لا وجه له أصلا. ويحتمل أن يراد بالظن ماله محمل راجح أيضا وهو إن كان واجب العمل به في المسائل الاجتهادية إلا أنه مذموم عند القدرة على اليقين وإلى هذا أشار بقوله (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) وهو القرآن أو الرسول أو المعجزة ، وفي هذه الحالة لا يجوز البناء على الظن بل يجب التعويل على اليقين.
قوله (أَمْ لِلْإِنْسانِ) أم منقطعة والهمزة فيها للإنكار والمراد تمنيهم شفاعة الآلهة وأن لهم عند الله الحسنى على تقدير البعث إذ تمنى أشرافهم أن يكونوا أنبياء دون محمد صلىاللهعليهوسلم. قوله (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) رد عليهم أي هو مالكها فهو المعطي والمانع ولا حكم لأحد عليه. ومعنى الفاء أنه إذا تقرر أن شيئا من الأشياء ليس بتمني الإنسان فلا حكم إلا لله. ثم بين أن الشفاعة عند الله لا تكون إلا برضاه. وفيه أصناف من المبالغة من جهة أن «كم» للتكثير والعرب تستعمل الكثير وتريد الكل كما قد تستعمل الكل وتريد به الكثير كقوله (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) [الأحقاف: ٢٥] ومن جهة لفظ الملك فإنهم أشرف المخلوقات سوى الأنبياء عند بعض ، ومن قبل أنهم في السموات فإن ذلك يدل على علو مرتبتهم ودنو منزلتهم ، ومن قبل اجتماعهم المدلول عليه بضمير الجمع في شفاعتهم وإذا كان حالهم هكذا فكيف يكون حال الجمادات؟ وقوله (لِمَنْ يَشاءُ) أي لمن يريد الشفاعة له (وَيَرْضى) أي ويراه أهلا أن يشفع له فههنا أيضا أنواع أخر من المبالغة. الأول توقيف الشفاعة على الإذن. والثاني تعليقها بالمشيئة فيهم منه أنه بعد أن يؤذن في مطلق الشفاعة يحتاج إلى الأذن في كل مرة معينة. والثالث رضا الله الشفاعة فقد يشاء ولكن لا يرضاه كقوله (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر: ٧] وهذا عند أهل السنة واضح. ثم صرح بالتوبيخ على قولهم الملائكة بنات الله فقال (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ) أي كل واحد منهم (تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) لأنهم إذا جعلوا الكل بنات فقد جعلوا كل واحدة بنتا وبالعكس. وهاهنا سؤالان: أحدهما: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعم من هؤلاء المسمين فكان الأولى أن يقال: إن