عليه ، ولهذ قال (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام: ١] وقال في الآية (خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) ولكنه قال في موضع آخر (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: ٥٦] فبين أن الأصل في الخلق والغرض الأقدم هو العبادة ليعلم منه أن اعتبار النسب وغيره مؤخر عن اعتبار العبادة فلهذا قال (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وفيه معنيان: أحد هما أن التقوى تفيد الإكرام عند الله. والثاني أن الإكرام في حكم الله يورث التقوى والأول أشهر كما يقال «ألذ الأطعمة أحلاها» أي اللذة بقدر الحلاوة لا أن الحلاوة بقدر اللذة. عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه طاف يوم فتح مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال «الحمد لله الذي أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتكبرها. يا أيها الناس إنما الناس رجلان: مؤمن تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله ثم قرأ الآية» وعنه صلىاللهعليهوسلم «من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله» (١) قال ابن عباس: كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بظواهركم (خَبِيرٌ) ببواطنكم وحق مثله أن يخشى ويتقى. وحين حث عموم الناس على تقواه وبخ من في إيمانه ضعف. قال ابن عباس: إن نفرا من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السر ، وأفسدوا طريق المدينة بالقذاة ، وأغلوا أسعارها وكانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأعطنا من الصدقة ، وجعلوا يمنون عليه فأنزل الله هذه الآيات. أي قالوا آمنا بشرائطه فأطلع الله نبيه على مكنون ضمائرهم وقال: لن تؤمنوا إيمانا حقيقيا وهو الذي وافق القلب فيه اللسان. (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) يعني إسلاما لغويا وهو الخضوع والانقياد خوفا من القتل ودخولا في زمرة أهل الإيمان والسلم. ثم أكد النفي المذكور بقوله (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) وفيه فائدة زائدة هي أن يعلم أن الإيمان متوقع منهم لأن «لما» حرف فيه توقع وانتظار. ثم حثهم على الطاعة بقوله (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ) أي لا ينقصكم (مِنْ) ثواب (أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) يعني الثواب المضاعف الموعود في نحو قوله (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام: ١٦٠] ألت يألت بالهمز إذا نقص وهي لغة غطفان. يقال ألته السلطان حقه أشدّ الألت. ولغة أسد وأهل الحجاز لأته ليتا. وقال قطرب: ولته يلته بمعنى صرفه عن وجهه. فيكون (يَلِتْكُمْ) على وزن «يعدكم» ، وعلى الوجه المتقدم على وزن «يبعكم». (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب وأخلص نيته. ثم وصف المؤمنين المحقين بقوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) ومعنى «ثم» في قوله (ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) كما في قوله (رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) [فصلت: ٣٠] وارتاب مطاوع رابه
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٢ / ٥٢٤)