الروح الإنساني أوّل فيض بذاته وصفاته فذاته من ذات الله بلا واسطة ، وصفاته من صفاته بلا واسطة ، فخلق لخليفته منزلا صالحا وهو قالبه ، وأعد له عرشا هو القلب ليكون محل استوائه ، ونصب له خادما وهو النفس ، فلو بقي الإنسان على فطرة الله لكان روحه مستفيضا من الله تعالى فائضا لخلافة الحق على عرش القلب ، والقلب فائض لخلافة الروح على خادمه النفس ، والنفس فائضة لخلافة القلب على القالب ، والقالب فائض لخلافة النفس على الدنيا ، وهي أرض الله فلا يجري شيء من الأمور إلا على نهج الحق. (وَوَهَبْنا لِداوُدَ) الروح (سُلَيْمانَ) القلب (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِ) وهو بعد زوال شمس التجلي (الصَّافِناتُ الْجِيادُ) وهي مركب الصفات البشرية. وفي قوله (فَطَفِقَ مَسْحاً) إشارة إلى أن كل محبوب سوى الله إذا حجبك عنه لحظة يلزمك أن تقتله بسيف «لا إله إلا الله» وإليه الإشارة بقوله ثانيا (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ) صدره شيئا من الشهوات الجسدانية فافتتن به فتاب ورجع إلى الحضرة. فإن قيل : قوله (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) هل يتناول نبينا صلىاللهعليهوسلم؟ قلنا : يتناوله بالصورة لا بالمعنى. فإن الذي كان مطلوب سليمان من تزكية النفس عن محبة الدنيا مع القدرة عليها ، ومن تحلية القلوب بعلوّ الهمة وبذل المال والجاه وإفشاء العدل والنصفة وغير ذلك كان حاصلا للنبي صلىاللهعليهوسلم من غير زحمة مباشرة صورة الملك والافتتان به عزة ودلالا ولهذا قال في حديث تسلطه على الشيطان «ذكرت دعوة أخي سليمان فتركته» (١) وكان يعرض عليه مقاليد الخزائن فيقول : «الفقر فخري» على أن صورة الملك أيضا مما سيحصل لبعض أمته كما قال «وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها» (٢).
(وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ
__________________
(١) المصدر.
(٢) رواه مسلم في كتاب الفتن حديث ١٩. أبو داود في كتاب الفتن باب ١. الترمذي في كتاب الفتن باب ١٤. ابن ماجة في كتاب الفتن باب ٩. أحمد في مسنده (٥ / ٢٧٨) (٤ / ١٢٣).