أترحم عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة ، لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك. وعن مقاتل أن في الآية تقديما وتأخيرا والمعنى : ولو لا فضل الله عليكم ورحمته بالحلم عنكم والحكم عليكم بالتوبة (لَمَسَّكُمْ فِيما) اندفعتم (فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الدنيا والآخرة معا. وتلقي الإفك أخذه من أفواه القالة وقوله ، والأصل تتلقونه بتاءين وقد قرىء به. كان الرجل يلقى الرجل فيقول له : ما وراءك؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى طار وانتشر. وفي زيادة قوله (بِأَفْواهِكُمْ) إشارة إلى أنه قول لا وجود له إلا في العبارة ولا حقيقة لمؤداه في الواقع. والقذف كبيرة من الكبائر كما سبق لا سيما قذف زوجة النبي وخاصة نبينا صلىاللهعليهوسلم فلهذا قال (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) عن بعضهم أنه جزع عند الموت فقيل له فقال : أخاف ذنبا لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم. وفي النصائح الكبار لا تقولن لشيء من سيئاتك حقير فلعله عند الله نخلة وهو عندك نقير. وصفهم في الآية بارتكاب ثلاثة آثام : تلقي الإفك والتكلم بما لا حقيقة له ولا علم به واستهانة عظيمة من العظائم ، وفيه أن عظم المعصية لا يتعلق بظن فاعله بل جهله بعظمه ربما يصير مؤكدا لعظمه. وفيه أن الواجب على المكلف أن يستعظم الإقدام على كل محرم إذ لا يأمن أن يكون عند الله من الكبائر.
ثم علمهم أدبا آخر ومعنى (ما يَكُونُ لَنا) لا ينبغي ولا يصح لنا. ومعنى (سُبْحانَكَ) تنزيه الله من أن تكون زوجة نبينا الذي هو أحب خلقه إليه فاجرة ، أو تنزيهه من أن يرضى بقذف هؤلاء المقربين ولا يعاقبهم ، أو هو للتعجب من عظم الأمر وذلك أنه يسبح الله عند رؤية كل أمر عجيب من صنائعه فكثر حتى استعمل في كل متعجب منه. والفرق بين هذه الآية وبين قوله (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ) هو أن تلك تميل إلى العموم وهذه إلى الخصوص فكأنه بين أن هذا القذف خاصة مما ليس لهم أن يتفوهوا به لما فيه من إيذاء نبيه وإيذاء زوجته التي هي حبيبته (يَعِظُكُمُ اللهُ) بهذه المواعظ التي بها تعرفون عظم هذا الذنب كراهة (أَنْ تَعُودُوا) أو في شأن أن تعودوا (لِمِثْلِهِ أَبَداً) أي مدة حياتكم. ولا دلالة للمعتزلة في قوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) على أن ترك القذف من الإيمان لاحتمال أنه للتهيج والانزجار (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ) أي لانتفاعكم (الْآياتِ) الدالات على علمه وحكمته وما ينبغي أن يتمسك المكلف به في أبواب صلاح معاشه ومعاده (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) هما صفتان مختلفتان عند المعتزلة ثانيتهما أخص من الأولى ، وعند الأشاعرة الثانية للتأكيد المحض. والمراد أنه يجب قبول تكاليفه وبياناته لأنه عالم بما أمر وبما يستحقه كل مأمور ، وليس في تكليفه عيب ولا عبث. ومن كان هذه صفته وجب طاعته ليثيب ولا يعاقب. استدلت المعتزلة بالآية في أنه يريد الإيمان من الكل وإلا لم يكن واعظا ولا مبينا آياته لانتفاعهم ولا