خطبته الطويلة التي
استهل بها الشريف الرضي «نهج البلاغة» ، وفيها يصف خلق السماوات والأرض وخلق آدم ،
وخطبته «ذات الأشباح» التي عرض فيها لتصريف الكون وتدبير الخلق ، وتناول فيها
بالوصف أبراج السماء ، وفجاج الأرض ، وما حولها من البحار وما تحتها من الماء ، ثم
خطبته «القاصعة» التي تضمنت تكوين الخليقة ، وسجود الملائكة لآدم ، واستكبار إبليس
عن السجود له ، وتحذير الناس «من مصيدة إبليس العظمى ، ومكيدته الكبري».
وأغراض علي في كتبه ورسائله وعهوده
ووصاياه تشبه أغراضه في خطبه شبها شديدا : كثرت فيها رسائل التعليم والإرشاد. وكتب
النقد والتعريض ، والعتاب والتفريع ، وانضمت إليها بعض الوثائق السياسة والإدارية
والقضائية والحربية. ورسائله جميعا مطبوعة بالطابع الخطابي. حتى ليكاد الباحث
يعدها خطبا تلقى لا كتبا تدبج ، إذ تؤلف فيها الألفاظ المنتقاة , تنق فيها الجمل
المحكمات ، فينبعث من أجزائها كلها نغم حلو الإيقاع يسمو بنثرها الرشيق فوق مجالات
الشعر الرفيع.
وإذا تجاوزنا خطب علي ورسائله إلى
المختار من حكمه ألقيناه برسل من المعاني المعجزة ، والأجوبة المسكتة. ما ينبئ عن
غزارة علمه ، وصحة تجربته ، وعمق إدراكه لحقائق الأشياء.
وحكم علي هذه منها ما جمعه الشريف الرضي
تحت عنوان مستقل ، نجد فيه مثل قوله «الناس أعداه ما جهلوا» ، «ولم يذهب من مالك
ما وعظك» ، «قيمة كل امرئ ما يحسنه» ، «احذروا صولة الكريم إذا جاع ، واللئيم إذا
شبع» ، ومنها ما أثبت وتناثر ضمن فقرات خطبه.
ووصايا علي الاجتماعية تتجسد هاهنا
بوضوح من خلال كلماته النوابغ وحكمه الحسان.فهو يجلو أبصار صحبه وبصائرهم ، ويود
لو يغبقهم كأس الحكمة بعد الصبوح.
يحذر هم من العلم الذي لا ينفع «قرب
عالم قد قتله جهله ، وعلمه معه لا ينفعه» ، «والجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره
أجهل» ، «والعلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل».
ويخوفهم عاقبة الظلم والجور «فليس في
الجور عوض من العدل».