لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) [البقرة : ٣٤] بقياس هو قوله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص : ٧٦] فاستحق اللعن إلى يوم الدين. والسر فيه أن تخصيص النص بالقياس يقدم القياس على النص وفيه ما فيه. ثم إن كان الأمر للوجوب فقوله : (أَطِيعُوا) يدل على وجوب الطاعة وإن كان للندب ، فههنا يدل على الوجوب ظاهرا لأنه ختم الأوامر بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وهو وعيد والظاهر أنه قيد في جميع الأوامر لا في قوله : (فَرُدُّوهُ) وحده. وأيضا مجرد الندبية وهو أولوية الفعل معلوم من تلك الأوامر فلا بد للآية من فائدة خاصة ، فيحمل على المنع من الترك ليحصل من المجموع معنى الوجوب. ثم هذا الوجوب يكون دائما إن كان الأمر للدوام والتكرار وكذا إن لم يكن غيره كذلك لأن الوقت المخصوص والكيفية المخصوصة غير مذكورة. فلو حملناه على العموم كانت الآية مبينة وإلا كانت مجملة ، والمبين أولى من المجمل. وأيضا تخصيص اسم الله بالذكر يدل على أن وجوب الطاعة إنما هو لكونه إلها والإلهية دائمة فالوجوب دائم. وإنما كرر لفظ (أَطِيعُوا) للفصل بين اسم الله تعالى وبين المخلوقين ، ونعلم من إطلاق وجوب طاعة أولي الأمر أن الإجماع الحاصل عقيب الخلاف حجة وأنه لا يشترط انقراض العصر. ومن إطلاق قوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ) أن القياس يجوز إجراؤه في الحدود والكفارات أيضا. والمراد بالتنازع قال الزجاج : هو الاختلاف وقول كل فريق القول قولي كأن كل واحد منهما ينزع الحق إلى جانبه (ذلِكَ) الرد أو المأمور به في الآية (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) أي عاقبة من آل الشيء إذا رجع. وقيل : الرد إلى الكتاب والسنة خير مما تأولون أنتم.
ثم إنه تعالى لما أوجب على المكلفين طاعته وطاعة رسوله ، وذكر أن المنافقين الذين في قلوبهم مرض لا يطيعون ولا يرضون بحكمه فقال : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) الآية. قال الليث : قولهم زعم فلان معناه لا نعرف أنه صدق أو كذب ومنه زعموا مطية الكذب. وقال ابن الأعرابي : الزعم قد يستعمل في القول المحقق لكن المراد في الآية الكذب بالاتفاق. قال أبو مسلم : ظاهر الآية يدل على أن الزاعم كان منافقا من أهل الكتاب مثل أن يكون يهوديا أظهر الإسلام على سبيل النفاق ، لأن قوله تعالى : (يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) إنما يليق بمثل هذا المنافق. أما سبب النزول ففيه وجوه. والذي عليه أكثر المفسرين ما رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رجلا من المنافقين يسمى بشرا خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال المنافق : بيني وبينك كعب بن الأشرف. وذلك أن اليهودي كان محقا وكان النبي صلىاللهعليهوسلم لا يقضي إلا بالحق لجلالة منصبه عن قبول الرشوة ، وكان كعب يبطل الحقوق بالرشا ، فما زال اليهودي بالمنافق حتى