يُبْدُونَ لَكَ) أي ذلك القول إنما صدر عنهم في هذه الحالة ، فكان لسائل أن يسأل ما الذي يخفونه في أنفسهم؟ فقيل (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) وقد مر تفسيره. ويحتمل أن يراد : لو كان لنا رأي مطاع لم نخرج من المدينة فلم نقتل هاهنا؟ فيكون كالطعن في قوله : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) قال في التفسير الكبير : هذا بعينه هو المناظرة الدائرة بين السني والمعتزلي. فذاك يقول : الطاعة والعصيان والكفر والإيمان من الله. وهذا يقول : الإنسان مختار مستقل إن شاء آمن وإن شاء كفر. فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن يجيب عن هذا الاعتقاد بأن ما قضى الله فهو كائن ، والحذر لا يرد القدر ، والتدبير لا يبطل التقدير. وإن شئتم المصالح ففائدته الابتلاء وهو أن يتميز الموافق عن المنافق كما في المثل : لا تكرهوا الفتن فإنها حصاد المنافقين وتطهير القلوب عن وساوس الشبهات وتبعات المعاصي والسيئات. ثم قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) صاحبتها وهي الأسرار والضمائر ليعلم أن ابتلاءه ليس لأنه لا يخفى عليه شيء ، وإنما ذلك لمحض الإلهية أو للاستصلاح.
قوله عز من قائل : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) يعني يوم أحد. وذكر محمد بن إسحق أن ثلث الناس كانوا مجروحين ، وثلثهم انهزموا ، وثلثهم ثبتوا. ومن المنهزمين من ورد المدينة وكان أولهم سعد بن عثمان أخبر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قتل. ثم بعده رجال ودخلوا على نسائهم وجعل النساء يقلن : أعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تفرون؟ وكن يحثين التراب في وجوههم ويقلن : هاك المغزل اغزل. وقال بعض الرواة : إن المسلمين لم يعدوا الجبل. قال القفال : الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أن نفرا قليلا تولوا وأبعدوا ، فمنهم من دخل المدينة ، ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب. وأما الأكثرون فإنهم نزلوا عند الجبل واجتمعوا هنالك ـ ومن المنهزمين عمر ـ إلا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين. ولم يبعد ، بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي صلىاللهعليهوسلم. ومنهم أيضا عثمان انهزم هو مع رجلين من الأنصار ـ يقال لهما سعد وعقبة ـ انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ، ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : لقد ذهبتم فيها عريضة. وأما الذين ثبتوا مع الرسول صلىاللهعليهوسلم فكانوا أربعة عشر رجلا. سبعة من المهاجرين : أبو بكر ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، وأبو عبيدة بن الجراح ، والزبير بن العوّام. وسبعة من الأنصار : الحباب بن المنذر ، وأبو دجانة ، وعاصم بن ثابت ، والحرث بن الصمة ، وسهل بن حنيف ، وأسيد بن حضير ، وسعد بن معاذ. وذكر أن ثمانية من هؤلاء كانوا بايعوه يومئذ على الموت ثلاثة من المهاجرين : علي وطلحة والزبير. وخمسة من الأنصار : أبو دجانة ، والحرث بن الصمة ، وحباب بن المنذر ، وعاصم بن ثابت ، وسهل بن