بالثواب والخلاص من العقاب ، ولأن دفع الضرر أهم من جلب النفع. صرح بذلك في قوله (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) وهذه بالجملة كلمة جامعة لجميع خيرات الدنيا والآخرة. روى حماد بن سلمة عن ثابت أنهم قالوا لأنس : ادع لنا فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قالوا : زدنا فأعادها قالوا : زدنا قال : فما تريدون سألت لكم خير الدنيا والآخرة. وعن علي رضياللهعنه الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة ، وفي الآخرة الحوراء. وعذاب النار امرأة السوء. وقيل : الحسنة في الدنيا العمل النافع وهو الإيمان والطاعة ، وفي الآخرة التنعم بذكر الله والإنس به وبرؤيته. قلت : لا تلذذ في الدنيا والآخرة إلا بهذا.
الجسم مني للجليس مجالس |
|
وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي |
وعن قتادة الحسنتان طلب العافية في الدارين. وعن الحسن : هي في الدنيا فهم كتاب الله ، وفي الآخرة الجنة. ومنشأ البحث مجيء الحسنة منكرة في حيز الإثبات ، فكل من المفسرين حمل اللفظ على ما رآه أحسن أنواع الحسنة عقلا أو شرعا. ويمكن أن يقال : التنوين للتعظيم أي حسنة وأي حسنة أو يريد حسنة توافق حال الداعي وحكمة المدعو ، وفيه من حسن الطلب ورعاية الطلب ورعاية الأدب ما ليس في التصريح به فإنه لا يكون إلا ما يشاء أو يريد حسنة ما وإن كانت قليلة ، فإن النظر إلى المنعم لا إلى الإنعام. قليل منك يكفيني ولكن قليلك لا يقال له قليل. (أُولئِكَ) الداعون بالحسنتين (لَهُمْ نَصِيبٌ) وأي نصيب (مِمَّا كَسَبُوا) من جنس ما كسبوا من الأعمال الحسنة وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة. فمن للابتداء. ويحتمل التعليل أي من أجل ما كسبوا كقوله (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) [نوح : ٢٥] والكسب ما يناله المرء بعمله ومنه يقال للأرباح «إنها كسب فلان» أولهم نصيب مما دعوا به يعطيهم بحسب مصالحهم في الدنيا واستحقاقهم في الآخرة وسمي الدعاء كسبا لأنه من الأعمال والأعمال موصوفة بالكسب (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] ويجوز أن يكون (أُولئِكَ) للفريقين جميعا وأن لكل فريق نصيبا من جنس ما كسبوا. (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) السرعة نقيض البطء. والحساب مصدر كالمحاسبة وهو العدّ قال الزجاج : هو مأخوذ من قوله «حسبك كذا» أي كفاك. وذلك أن فيه كفاية وليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان. ومعنى كون الله محاسبا لخلقه قيل : إنه يعلمهم ما لهم وعليهم بأن يخلق العلم الضروري في قلوبهم بمقادير أعمالهم وكمياتها وكيفياتها ، أو بمقادير ما لهم من الثواب والعقاب. ووجه هذا المجاز أن الحساب سبب لحصول علم الإنسان بماله وعليه ، فإطلاق الحساب