المقدمة الرابعة
في كيفية جمع القرآن
روي عن زيد بن ثابت أنه قال : «أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وإذا عنده عمر. فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحرّ بقراء القرآن يوم اليمامة وإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قال : فقلت : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فقال لي : هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري له فرأيت فيه الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت : قال لي أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتّهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فتتبّع القرآن فاجمعّه فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف ومن صدور الرجال ، وكانت الصحف عند أبي بكر حتى مات ، ثم كانت عند عمر حتى مات ، ثم كانت عند حفصة مدّة إلى أن أرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إليّ بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها عليك. فأرسلت إلى عثمان ، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت وإلى عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام ، فأمرهم أن ينسخوا الصحف في المصاحف. ثم قال للرهط القرشيين الثلاثة : ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم. قال : ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف بعث عثمان في كل أفق بمصحف من تلك المصاحف ، وأمر بما سوى ذلك من القرآن أن يحرق أو يخرق. قال زيد بن ثابت : فرأيت أصحاب محمد يقولون : أحسن والله عثمان ، أحسن والله عثمان. وقال عليّ : لو وليت لفعلت في المصاحف الذي فعل عثمان. إلا أن عبد الله بن مسعود كره أن ولي زيد بن ثابت نسخ المصاحف ، فقال : يا معشر المسلمين أأعزل عن نسخ كتاب الله ويولاها رجل ، والله ، لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر ، يعني زيدا ، فكان أوّل من أمر بجمع القرآن في المصحف أبو بكر مخافة أن يضيع منه شيء غير أنه لم يجمع الناس عليه. وكان الناس يقرءون بقراءات مختلفة على سبيل ما أقرأهم