خبره ، ويكون اختصاصهم بالهدى والفلاح تعريضا بأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بنبوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم ظانون أنهم على الهدى وطامعون في أنهم سيفلحون عند الله تعالى والفضل من هذه الوجوه لأولها لأن الكلام المبني على السؤال والجواب أكثر فائدة ، ولأن الاستئناف بإعادة الصفة أبلغ ولأن السؤال على الوجه الأخير كالضائع ، لأن موجبات اختصاصهم بالهدى قد علمت. وأيضا إنه يجعل الموصولين تابعا والوجه الأول يجعل الموصول الأول ركنا من الكلام.
الثانية : الاستعلاء في قوله «على هدى» مثل لتمكنهم من الهدى كقولهم «هو على الحق وفلان على الباطل» وقد يصرح بذلك فيقال : جعل الغواية مركبا ، وامتطى الحق ، واقتعد غارب الهوى. ومعنى «هدى من ربهم» أي منحوه من عنده وأوتوه من قبله ، وهو إما اللطف والتوفيق الذي اعتضدوا به على أعمال الخير والترقي من الأفضل لأفضل ، وإما الإرشاد إلى الدليل الموجب للثبات على ما اعتقدوه والدوام على ما عملوه. ونكر «هدى» ليفيد ضربا من المبالغة أي هدى لا يبلغ كنهه. قال الهذلي :
فلا وأبي الطير المربة بالضحى |
|
على خالد لقد وقعت على لحم |
أي لحم وأي لحم. وأربّ بالمكان إذا أقام به ، والأب مقحم للاستعظام إذ الكنى إنما تكون للأشراف كما أن الإقسام بالطير أيضا لاستعظامهن لوقوعهن على لحم عظيم ، وعن بعضهم الهدى من الله كثير ولا يبصره إلا بصير ولا يعمل به إلا يسير ، ألا ترى أن نجوم السماء يبصرها البصراء ولا يهتدي بها إلا العلماء؟
الثالثة : في تكرير «أولئك» تنبيه على أنهم كما ثبت لهم الاختصاص بالهدى ثبت لهم الاختصاص بالفلاح فتميزوا عن غيرهم بهذين الاختصاصين. ووسط العاطف بينهما لاختلاف خبريهما بخلاف قوله (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [الأعراف : ١٧٩] فإن التسجيل عليهم بالغفلة وعدّهم من جملة الأنعام شيء واحد.
الرابعة : «هم» فصل وفائدته بعد الدلالة على أن الوارد بعده خبر لا صفة التوكيد ، وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره. ويحتمل أن يكون «هم» مبتدأ و «المفلحون» خبره ، والجملة خبر «أولئك».
الخامسة : المفلح الفائز بالبغية ، والمفلج بالجيم مثله كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر. وكذلك أخواته في الفاء والعين تدل على معنى الشق والفتح نحو : فلق ، وفلذ ، ومنه