الحديث حول هذه الآية الكريمة ، هو أن أبا الأنبياء إبراهيم عليهالسلام ، كان بغير شك مؤمنا بقدرة الله على إحياء الموتى ، إيمانا لا يرقى إلى سمائه غبار الشكوك والأوهام ، وقد أراد بسؤاله هذا أمرا يزيد إيمانه ، ويضاعف يقينه ، فأعطاه الله تبارك وتعالى مثالا من الحس ، تتضح به سورة إحياء الموتى ، والمعاني المجردة حين توضع في صور تدركها الحواس ، تكون أبيّن وأتم وضوحا.
والذين يتأملون كتاب الله يرونه في مجال إقامة الحجة ، يضع المعاني المجردة في صورة حسيّة يزداد بها إيمان المؤمن وتتضح بها لغير المؤمن سبل الإيمان ، وهذه الصور الحسية منبثة في القرآن الكريم انبثاثا ، لا يستعصى على رائديه فمن ذلك قول الله عزوجل في سورة الرعد (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ، إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) ، فالمعنى المجرد الذي أشارت إليه هذه الآية هو أن الذين اتخذهم الكافرون أولياء من دون الله يفزعون إليهم ، لا يقدرون على جلب النفع لهم ، ولا دفع الضرر عنهم ، والصورة الحسية لهذه الصورة المعنوية هي أن هؤلاء الكفار في دعائهم آلهتهم هذه ، مثلهم كمثل من يبسط كفيه إلى الماء ويريده أن يبلغ فاه ، والماء لا يشعر بمن يبسط إليه كفه طلبا للري ، ولا يقدر أن يجيب دعاءه فيبلغ فاه ، ذلك هو الفرق بين المعنى يذكر مجردا ، والمعنى يذكر في صورة تدركها الحواس.
فإبراهيم عليهالسلام كان يطلب صورة حسية تنطوي على المعنى المجرد للإيمان بقدرة الله على إحياء الموتى ، وقد أعطاه الله تعالى هذه الصورة ، لا لتغرس الإيمان في نفسه ، فإن إيمانه موجود لا شك فيه ، ولكن لتزيده قوة واستمساكا ، من حيث كانت الصورة الحسية في مجتلى الأعين ، تظاهر الصورة المعنوية في أعماق النفوس ، ومن أجل هذا أجاب الله تعالى إبراهيم على دعائه قائلا : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟) فقال عليهالسلام : بلى ، يعني