تَعْقِلُونَ» ، وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدر ، وغيظ النفس ، والعجب من السخف الذي يتجاوز كل مألوف».
وعند ذلك أخذتهم العزة بالإثم «قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ» ، فيا لها من آلهة ينصرها عبادها ، وهي لا تملك نفعا ولا ضرا ، ولا تحاول لها ولا لعبادها نصرا ، ولكن كلمة الله العليا ردت على كلمتهم «حرقوه» ، فأبطلت كل قول ، وأحبطت كل كيد ، لأن كلمة الله العليا لا ترد «قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ».
وأما كيف لم تحرق النار إبراهيم؟ والمشهور المعروف أن النار تحرق الأجسام الحية ، فلا نسأل عن ذلك ، لأن الذي قال للنار : كوني حارقة ، هو الذي قال لها : كوني بردا وسلاما على إبراهيم ، وهي الكلمة الواحدة التي تنشئ مدلولها عند قولها كيفما كان هذا المدلول ، مألوفا للبشر أو غير مألوف ، وعز من قال «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» (١).
ومن عجب أن يحاول بعض المؤرخين الإسلاميين كما أشرنا في الجزء الأول من هذه السلسلة (٢) ، أن يقدموا لنا قصصا تدعو إلى العجب في هذه المواقف الجادة ، فيرون أن «نمرودا» ـ وهو الملك المعاصر لإبراهيم فيما يقولون ـ أمر بجمع الحطب ، حتى أن المرأة العجوز كانت تحمل الحطب على ظهرها ، وتقول : «اذهب به إلى هذا الذي يذكر آلهتنا» ، وحتى أن المرأة لتنذر إن بلغت ما تريد أن تحتطب لنار إبراهيم ، وأن أمه نظرت إليه في النار ، فطلبت أن تجيء إليه فيها ، على أن يدعو إبراهيم ربه ألا يضرها شيء من حر النار ، ففعل ، وهكذا ذهبت إليه فاعتنقته وقبلته ، ثم عادت وقد
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٨٤ ـ ٢٣٨٨.
(٢) انظر : محمد بيومي مهران : دراسات تاريخية من القرآن الكريم ـ الرياض ١٩٨٠ ١ / ١٢٩ ـ ١٣٤.