فالجواب : أنه لو كان في الأصل «أو أل» لجاز أن يجيء على أصله ، في موضع من المواضع ، ولم نسمعهم نطقوا به هكذا.
فإن قلت : فلعلّة التزم التخفيف فيه ، كما فعل في «النبيّ» و «البريّة»؟.
قيل : ذلك قليل ، مع أنّ قياس تخفيف «أوأل» : «أول» بإلقاء حركة الهمزة على الواو ، وحذف الهمزة.
فإن قيل : فلعلّهم خفّفوه على قياس «شيّ» و «ضوّ»؟.
فالجواب : أنّ ذلك أيضا لا يقاس ، وإنما القياس «شي» و «ضو». وأيضا فإنّا إنما قلنا إنّ «النبيّ» و «البريّة» مما ألزم التخفيف البتة لقيام الدليل على ذلك ، لكونهما من «النبأ» ومن «برأ الله الخلق» ، ولم يقم دليل على أنّ «أوّل» من «وأل» فتزعم أنه أللزم التخفيف.
فإن قيل : الذي يدلّ على أنّ العين من «أوّل» همزة قراءة من قرأ (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠] ، فتكون همزة العين دالّة على أنّ الأصل الهمزة؟.
قيل : القراءة شاذّة ، وإذا ثبت بها رواية فقياسها أن تحمل على قول الشاعر :
أحبّ المؤقدين إليّ موسى |
|
وجعدة ، إذ أصاءهما الوقود (١) |
وذلك أنه أبدل الواو الساكنة المضموم ما قبلها همزة ، لأنّ الحركة في النيّة بعد الحرف ، فكأنّ الضمة في الواو. فثبت أنه لا يمكن أن يكون من «وألت».
ولا يمكن أيضا أن يكون من «ألت» ، لأنه لو كان منه لكان «أأول». فأما أن تبدل الهمزة ، أو الألف المنقلبة عن الهمزة ، واوا فغير معروف. والقول الأول كأنه أشبه. فأما همز «أوائل» فقد ذكرت العلّة فيه ، فلا حجّة فيه.
ولم يستعملوا منه فعلا ، لأنه لو كان الفعل على وزن «فعل» بفتح العين لوجب ، من حيث عينه واو ، أن يكون مضارعه «يفعل» بضمّ العين كـ «قال يقول». وكون فائه واوا يلزم مجيئه على «يفعل» بكسر العين ، حتى تحذف الواو كـ «يعد». فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى التدافع رفض ، مع ما فيه من ثقل الواوين. ولو كان على وزن «فعل» بضمّ العين لكان
__________________
(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لجرير في ديوانه ص ٢٨٨ ، والأشباه والنظائر للسيوطي ٢ / ١٢ ، والخصائص لابن جني ٢ / ١٧٥ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤٢٩ ، والمحتسب لابن جني ١ / ٤٧ ، وبلا نسبة في سر صناعة الإعراب لابن جني ١ / ٧٩ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢٠٦.