قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الممتع في التّصريف

264/380
*

فإن قيل : وما الذي حمل الخليل على ادعاء القلب؟.

فالجواب : أنّ الذي حمله على ذلك كثرة العمل الذي في مذهب سيبويه ؛ ألا ترى أنّ «جائيا» في مذهب سيبويه أصله «جايىء» ثم «جائىء» ثم «جائيء» ثم «جاء» ، وفي مذهب الخليل أصله «جايىء» ، فقلب فصار «جائيء» ثم «جاء». فمذهب سيبويه فيه زياد عمل على مذهب الخليل. فلذلك تكلّف القلب ، إذ كانوا يقلبون فيما لا يؤدّي فيه عدم القلب إلى اجتماع همزتين ، نحو قولهم «شاك» و «لاث» والأصل فيهما «شائك» و «لائث».

وكلا المذهبين عند سيبويه حسن. ورجّح الفارسيّ مذهب الخليل على المذهب الأوّل ، بأنه يلزم في مذهب سيبويه توالي إعلالين على الكلمة من جهة واحدة ، وهما قلب العين همزة ، وقلب الهمزة التي هي لام ياء. وتوالي إعلالين على الكلمة ، من جهة واحدة ، لا يوجد في كلام العرب إلّا نادرا في ضرورة الشعر ، نحو قوله :

وإنّي لأستحيي وفي الحقّ مستحى

إذا جاء باغي العرف أن أتنكّرا (١)

أصل «مستحى» : «مستحيي» فتحركت الياء الأخيرة ، وما قبلها مفتوح ، فقلبت ألفا فصار «مستحيا». ثم أعلّوا الياء التي هي عين بنقل حركتها إلى الساكن قبلها ، وقلبها ألفا ، فالتقى ساكنان فحذف أحدهما. ولا يلزم في مذهب الخليل إلّا القلب ، والقلب أكثر ، في كلام العرب من توالي الإعلالين على الكلمة ، حتى إنّ يعقوب قد وضع كتابا في «القلب والإبدال».

وهذا الترجيح حسن ، إلّا أنّ السماع يشهد للمذهب الأوّل. وذلك أنّ من العرب من يقول : «شاك» و «لاث» ، فيحذف العين من «شائك» و «لائث». ومنهم من يقول «شاك» و «لاث» ، كما تقدّم ، فيقلب. والذي من لغته القلب ليس من لغته الحذف. وكلهم يقول «شائك» و «لائث». فلمّا وجدنا العرب كلّها تقول «جاء» ، ولا تحذف ، علمنا أنه في لغة الحاذفين على أصله ، إذ ليس من لغتهم القلب ، ومن لغتهم البقاء على الأصل. وأمّا في لغة القالبين في «شاك» و «لاث» فيحتمل أن يكون مقلوبا ، ويحتمل أن يكون باقيا على أصله. فقد حصل إذا ما ذهب إليه سيبويه سماعا. وما ذهب إليه الخليل ليس له من السماع ما يقطع به ، فهو محتمل.

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لابن مقبل في تهذيب اللغة للأزهري ، ولسان العرب لابن منظور ، وتاج العروس للزبيدي ، مادة (سمح) ، ومنتهى الطلب لابن ميمون ص ٣١ ، وبلا نسبة في التمام لابن جني ص ١٥.