الطير وغيره في التفاهم على طريق الحدس ، كما هو حال العلماء اليوم (١).
وقال تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) (٢) ، ولا شك أن فهمه عليهالسلام لكلام النمل إعجازا اختصه الله عزوجل به ، إظهارا لما أكرمه الله به من شرف النبوة والرسالة (٣) ، ونحن هنا ، كما يقول صاحب الظلال ، أمام خارقتين ، لا خارقة واحدة ، خارقة إدراك سليمان لتحذير النملة لقومها ، وخارقة إدراك النملة أن هذا سليمان وجنوده ، فأما الأولى ، فهي مما علمه الله لسليمان ، وسليمان إنسان ونبي ، فالأمر بالقياس إليه أقرب من الخارقة الأخرى البادية في مقالة النملة ، فقد تدرك النملة أن هؤلاء خلق أكبر ، وأنهم يحطمون النمل إذا داسوه ، وقد يهرب النمل من الخطر بحكم ما أودع الله فيه من القوى الحافظة للحياة ، أما أن تدرك النملة أن هذه الشخوص هي سليمان وجنوده ، فتلك هي الخارقة الخاصة التي تخرج على المألوف ، وتحسب في عداد الخوارق في مثل هذه الحال (٤).
ومنها (ثانيا) أن جند سليمان عليهالسلام إنما كان مؤلفا من الإنس والجن والطير ، وقد نظم لهم أعمالهم ورتب لهم شئونهم ، فإذا خرج خرجوا معه في موكب حافل ، يحيط به الجند والخدم من كل جانب ، فالإنس والجن يسيرون معه ، والطير تظلله بأجنحتها من الحر (٥) ، قال تعالى : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (٦) ، والجدير
__________________
(١) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٣٤.
(٢) سورة النمل : آية ١٨ ـ ١٩.
(٣) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ٦٨.
(٤) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٣٧.
(٥) الصابوني : المرجع السابق ص ٢٨٨.
(٦) سورة النمل : آية ١٧.