في تفسيره (١) إلى أنه قال «اجعلني على خزائن الأرض» أي أرض مصر (٢) وولني أمرها من الإيراد والصرف ، إني حفيظ لهما ممن لا يستحقهما ، عليم بوجود التصرف فيهما ، وفيه دليل على جواز طلب الولاية ، إذا كان الطالب ممن يقدر على إقامة العدل وإجراء أحكام الشريعة ، وإن كان من يد الجائر أو الكافر ، وقيل إن الملك أسلم ، وقال الخازن في تفسيره : يكره طلب الإمارة إذا لم يتعين عليه طلبها ، فإذا تعيّن وجب عليه ولا كراهية عليه ، وأما يوسف فكان عليه طلب الإمارة لأنه مرسل من الله تعالى ، والرسول أعلم بمصالح الأمة من غيره ، وإذا كان مكلفا برعاية المصالح ولا يمكنه ذلك إلا بطلب الإمارة وجب عليه طلبها ، وهنا في طلب الإمارة ، بسبب ما سيحدث من قحط ، إيصال الخير للمستحقين ، فيجب طلبها (٣).
وذهب الإمام النسفي في تفسيره إلى أن يوسف عليهالسلام وصف نفسه في قوله «اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم» ، بالأمانة والكفاية وهما طلبة الملوك ممن يولونهم ، وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله وإقامة الحق وبسط العدل ، والتمكن مما لأجله بعث الأنبياء إلى العباد ، ولعلمه أن أحدا غيره لا يقوم مقامه في ذلك ، فطلبه ابتغاء وجه الله ، لا لحب الملك والدنيا ، وفي الحديث «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ، ولكنه أخر ذلك سنة» ، قالوا وفيه دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان حمالة من يد سلطان جائر ، وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة الظلمة ، وإذا علم النبي أو الظالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم ، إلا بتمكين الملك الكافر أو
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٤ / ٢٨٦.
(٢) قال الإمام القرطبي في تفسيره لقوله تعالى : قال : اجعلني على خزائن الأرض. «قال سعيد بن منصور : سمعت مالك بن أنس يقول : مصر خزانة الأرض» أما سمعت قوله «اجعلني على خزائن الأرض» أي على حفظها (تفسير القرطبي ص ٣٤٤٢).
(٣) تفسير الخازن ٣ / ٢٩٢.